الدين والسياسة .. معالجات ضرورية .. الحلقة الاولى



معادلة الدين والسياسة ... معالجات ضرورية
... الحلقة الاولى  


لا نجد هذه الأيام من يجمع بين الدين
والسياسة بطريقة ناجحة فيستفيد من منافع الدين ومنافع السياسة إلا قليلا ، وذلك
على مستوى الدولة أو الأحزاب والتنظيمات أو المؤسسات والجمعيات أو الأفراد .. هناك
من اشتغل في السياسة والدين معا فأساء إلى إحداهما أو أساء إلى الاثنتين : وذلك
أنه يطرح شعارات كبيرة ويزين كلامه السياسي بالنصوص الدينية دون أن يفقه دلالاتها
ويسبر أغوار معانيها ويصل إلى تطبيقاتها وفق أصولها العميقة ومقاصدها الرشيدة ..
يجيد إسناد ما وصل إليه من فهم بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة فيوحي للناس أنه
بذلك قد أصاب الدين وأصاب السياسة معا وأنه بما وصل إليه من فهم إنما يطرح رأي
الدين الذي لا يجوز مخالفته أو الخروج عليه بفهم آخر ..


هذه طامة كبرى تقع فيها دول وتنظيمات
وعلماء : نجد من الدول من تطرح نفسها بأنها دولة تدين بالإسلام والدين يشكل
مرجعيتها في كل ما يصدر عنها ولا يجوز لأحد وهي بهذه الحالة الدينية ان يعارض أو
يناقش . وأن أي خروج أو اعتراض إنما يشكل خروج واعتراض على الدين وبهذا تجيز
الدولة لنفسها أن تقمع وتسجن وتقتل كل من يحمل رأيا آخر غير رأي الدولة .


ونجد أيضا من التنظيمات من يطرح نفسه أنه
تنظيم صاحب مرجعية دينية وأنه يعمل في السياسة من منطلق ديني وهو بذلك يمثل رأي
الدين في مواقفه وآرائه ، ثمة أي مخالف له فإنه بذلك يخرج عن الدين فيصل بذلك الى
تكفير من يخالفه ويعتبر من ينتمي الى تنظيم آخر حتى لو كان ايضا يتبنى المرجعية
الدينية بأنه خارج عن الصف أو أنه خارج الجماعة الا اذا بايع تنظيمه وعاد الى
الجماعة ، وهو بذلك يجعل من نفسه متماهيا مع الدين ،هو الدين والدين هو ، وسوى ذلك
ليس له من الدين أدنى نصيب .


ولا بد من الذكر ( بموضوعية مجردة ) أن
هناك تنظيمات إسلامية قد خرجت من هذا المفهوم الضيق واعتبرت نفسها جماعة من
المسلمين وليست جماعة المسلمين وأصبحت من خلال الخبرة التي اكتسبتها من ميادين
الحياة السياسية وبممارستها للشورى الداخلية تعتبر نفسها في السياسة تصيب وتخطئ
وان العمل السياسي مجهود بشري لا عصمة لأحد فيه، وان الدين قد أعطى هامشا واسعا
للعقل كي يكد ويجتهد وان السياسة تقدير للمصالح وفق معطيات الواقع ، وهذه يختلف
فيها الناس فالدين لم يعط نصوصا مقيدة في العمل السياسي ، وإنما حدد مبادئ ومقاصد
عامة على السياسي أن لا يخرج عنها

، وبعد ذلك له أن يُعمل عقله ويمارس الشورى لتتكامل العقول فتصل
الى ما هو أقرب للصواب . نجد من هذه التنظيمات الإسلامية التي عركتها الحياة
العامة والتجربة السياسية فوصلت الى معادلة وسطية ونجحت في طرح معادلة الدين
والسياسة أيما نجاح ، وهي بذلك تراكم التجربة وتصقلها مع الايام فتبتعد عن حالة
ضيق الافق التي تعاني منها بعض التنظيمات التي توظف الدين لعقول لا تملك التجربة
السياسية فتقع في أخطاء وتقود التابعين لها الى مصائب وهي تحسب نفسها أنها تحسن
صنعا وتطبق الدين بدقة متناهية دون أدنى تفكير لاحتمالية الخطأ ومجانبة الصواب .
فهي بشكل عملي تمارس العصمة السياسية دون أن تدعيها نظريا أو في عالم أفكارها .


وهنا لا بد أن نؤكد أن لا عصمة سياسية لأحد
لا من خلفية دينية ولا من خلفية وطنية إذ الكل يصيب ويخطئ ولا مبرر لادعاء الدين
او التدين أن هذا يعني أن صاحبه يتحدث باسم الدين كما كان للحاكم أن يسمي نفسه في
عصر الدولة الفاطمية بأنه الحاكم بأمر الله ، وفي هذه السياق نذكر ان كاتب أمير
المؤمنين عمر كتب هذا ما أمر الله لأمير المؤمنين .. فقال عمر امح ما كتبت بئس
ماكتبت واكتب هذا ما أمر به أمير المؤمنين عمر فان أصبت فمن الله وان أخطأت فمن
نفسي " ، فالأمر إذا يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ..


وهنا نشير الى أن من متطلبات تسويق الأفكار
أحيانا يكون بإضفاء الصبغة الدينية ، خاصة عندما يكون الجمهور متدينا فان دعَمنا
الرأي السياسي بالنص الديني فإننا بذلك نعطي لرأينا قداسة الدين ، لذلك كان لكثير
من الأحزاب والحركات أن تستخدم النص الديني لتسويق آرائها ولتصبح هذه الآراء مقدسة
عند الناس .




لذلك كان لا بد من توضيح هذه المعادلة :
هناك فرق بين الدين وبين فهم البشر للدين في الشأن السياسي ، مهما كان مسماهم
علماء دين أو تنظيمات وأحزاب وحركات ذات صبغة دينية أو دول ترفع راية الدين ، إذ
أن الدين مقدس بينما رأي البشر غير مقدس ويصيب ويخطئ ، هناك فرق كبير بين الدين
نفسه وبين فهمنا للدين .. ويترتب على هذه المعادلة أمور كثيرة نكمل الحلقة الثانية
ان شاء الله . 




Previous Post Next Post