هكذا يتحدث نائل البرغوثي من سجنه ..



في يوم الاسير السادس والثلاثين .. هكذا يتحدث نائل البرغوثي من سجنه ويضيء
معالم الطريق ... 
     



أنا الاسير الفلسطيني نائل البرغوثي مواطن
من قرية كوبر الصغيرة في حجمها العظيمة في عطائها والتي يكفيها فخرا أنها في قلب
فلسطين وفي أكناف بيت المقدس :


ماذا تراني أقول في يوم الاسير الذي يأتي
وقد قاربت على إنهاء ست وثلاثين سنة في غياهب سجون بني صهيون ، في ست وثلاثين سنة
تدور السنة القمرية دورتها لتعود على ما كانت عليه بعد أن قطعت مراحل طويلة غاب
فيها القمر وعاد كالعرجون القديم ثلاثماءة وستين مرة .. صحيح أنه قد أطلق سراحي في
صفقة وفاء الاحرار، كان يوم عزة شهدت الاكوان لفرحته ولكن الفرحة لم تكتمل مرتين :
مرة وقد غادرنا جزءً عزيزا منا بقوا في تلك الغياهب والمرة الثانية عندما نغصوا
فرحة فرحة(أمي) في مماتها .. عندما تم اختطافي وإعادتي الى حالة محاق القمر من
جديد حيث هذه الغياهب التي بتنا لا ندري متى سيؤذن لحياتنا أن نرى ضياء قمر فيها
يبزغ من جديد .


وهذا هو السؤال الذي أقف أمامه حائرا بعد
هذا القيد الذي اشتد على معصمي من جديد :متى وكيف تأخذ حقها وتفرض ذاتها :مفردات
:الفجر والضياء والقمر والنور وكل الذي يبدد الظلمات والغياهب .. متى وكيف نتوقف
عن البكائيات ونسارع الى دائرة الفعل والتحرير ؟ نبكي ونتباكى على أحوال ملّ الإعلام
من الحديث عنها : الأسرى الأطفال والنساء والمرضى .. الاسرى المعزولين والجرحى
والمضربون عن الطعام ، المعتقلون إداريا وتعسفيا والمحاكم الهزلية والتنكيل
الجماعي بأهالي الأسرى ، نعدد أرقاما وإحصائيات ونناشد مؤسسات حقوقية ومؤتمرات ،
نشجب ونستنكر ونحزن ونبكي ، والنتيجة أننا قد أقنعنا أنفسنا بأننا قد قمنا بالواجب
ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان ..


كما لا نرى بداية شهر قمري الا ببزوغ هلاله
عندئذ نصدق بأن مرحلة من الضياء قد بدأت وأن غياهب الليل قد ولت .. وإننا كذلك قد
رأينا هلال فرج قد تولد من براثن العدوان على غزة الأخير وإننا ندرك بأن مخاضا
عسيرا لا بد وأن يمر به إلا أنه في النهاية لا بد من بزوغ الفجر .. والاسرى خاصة
مع بداية انتفاضة جديدة تتزايد أعدادهم وهذا دأب الاحتلال فينا جيل بعد جيل :
طالما أن هذا الاحتلال الاسود موجود تبقى السجون مفتوحة وتبقى المأساة قائمة .


ولا بد في هذا اليوم من رسالتين أشعر
بأنهما في غاية الضرورة :


الرسالة الاولى : رغم ضرورتها وخطورتها إلا
أنها قد تبدو مملة ومكرورة من كثرة ما تكررت مفرداتها على مسامع الناس : الوحدة
والتحرر من الانقسام  : وما الجديد الذي
سأضيفه ونحن الاسرى من عمق ظلمات بني صهيون ننظر الى المشهد الفلسطيني فنجده لا
يقل ظلاما ، كيف ننظر الى الفرقة والانقسام ونحن تحت مطرقة السجان وسندان الانقسام
؟ والله إنه لعيب وعار أن يستمر هذا المشهد بظلامه الذي يزداد حلكة يوما بعد يوم
.. لن أزيده وصفا وتشريحا وتحزينا وتجريما فالكل فينا يجيد الوصف .. سأذهب الى
خارطة الطريق : يضعون لنا خارطة طريق بيننا وبين ألد أعدائنا الا نستطيع وضع خارطة
طريق بين الاخوة المتخاصمون ؟ لقد اصبح الانقسام عميقا وخطيرا وهذا لم ينزل علينا
فجأة وإنما كان له خارطة طريق وضعت بعناية واشتغل عليها بقوة .. سأذهب الى آلية
عملية لان الغايات العظيمة إن لم توضع على آليات صحيحة لن نصل اليها البتة ..
والالية التي أقترحها وأؤمن بها بقوة هي تشكيل هيئة موسعة ولتسمى مثلا : (مجلس
حكماء فلسطين والعبرة ليست بالتسمية) وتكون شخصيات متفق عليها من قبل طرفي
الانقسام شخصا شخصا على أن يوكل اليها توضيح معالم الطريق وأن يتفق مسبقا على أن
تكون قراراتها ملزمة وهي المرجعية حالة وجود أية إشكالية وأن تكون صلاحياتها
مفتوحة في كل ما له علاقة برأب الصدع وإنهاء الانقسام وتكون بمثابة صمام الامان للوحدة
الفلسطينية . أشعر بأن هذا واجب الوقت وضرورة العمل ولا مفر منه عاجلا أم آجلا .
وأرى أن شعبنا غني بالكفاءات الحكيمة والقادرة على رسم أفضل خارطة للطريق نحو
الوحدة ومعالجة كل مسببات الانقسام والتشرذم تربويا وثقافيا ودينيا واجتماعيا
وسياسيا لتصبح قيم الوحدة قيم سلوكية متأصلة في وجدان كل مكونات المجتمع تماما
كقيم الديمقراطية في المجتمعات الديمقراطية .


الرسالة الثانية : وأمام الافواج الجديدة
التي تدخل السجون كان لا بد من العمل على قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج ،
كيف نحمي أبناءنا وشبابنا وفتياتنا من الاعتقال ؟ كيف ننقل لهم الخبرة المتراكمة
من الاجيال السابقة ؟ هل على جيل اليوم أن يبدأ التجربة من الصفر .. لا يسمع شيئا
عن هذه الخبرات وإذا وقع باح بكل أسراره وجاء بكل جماعته وعشيرته دون أن يبقي منهم
أحدا .. وفي الزنازين يدخل معركة الارادة وصراع الادمغة دون أن يكون مؤهلا لها ..
هذه مسئولية جماعية تحتاج الى عمل دؤوب تربويا وثقافيا وبكل الوسائل الممكنة :
الادب والفن والثقافة والتربية بحيث يكون الوعي وتربية الارادة وتجهيزها للمواجهة
بكل قوة واقتدار هو أساس من الاسس التي تبنى عليها الشخصية الفلسطينية .



وأختم رسالتي هذه وكلي أمل وثقة بأن هذا
الشعب الذي حمل على عاتقه أقدس قضية لا بد وأن يكون على قدر هذه الأمانة وأن يصبر
ويصابر ويثابر في مواجهة أعتى قوى الشر في هذا العالم .  




Previous Post Next Post