أين ضاعت الوسطية في حمأة المحرقة
السورية ؟ "1 "
كان من السهل أن يدعي الكل الوسطية، ذلك
بأنها مفهوم قراني لا أحد من الذين يحسبون أنفسهم على التيار الاسلامي يجرؤ على الاصطدام
به ، الكل يدعي الوسطية : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " ويجري التعريف بها
بانها الاستقامة والعدل ، إذا كمفهوم الكل يقر به ولكن هذا يتطلب السير وسط الطريق،
إذ ان مفهوم التطرف جاء ليصف أناس يسيرون طرف الطريق فيبتعدون عن الوسط ويكونون
عرضة للانحراف عن الطريق . فعكس مفهوم الوسطية يأتي التطرف بالمصلح الجديد أو
قديما قالوا عن الغلو في الدين وهناك حديث ذكر غالاة الغالين وتحريف المبطلين
وتأويل الجاهلين .. وبين الجمع بين المصطلح القديم والجديد نقول ان هناك أشياء
خطيرة قد تعتري الوسطية فتبعد الناس عنها ، أخطرها الغلوفي الدين أو قل التطرف
بنفس الدلالة .
وأن من السهولة بمكان أن يحفظ الانسان نفسه
سواء كان مفكرا او على أية درجة من درجات التفكيرعلى الوسطية ، في حالة الاسترخاء
الفكري وعدم وجود محكات عملية تحتاج الى إعمال العقل على أعلى درجاته ، أما في
الحالة السورية وهذا الاستفزاز والاستقطاب الذي تختلط فيه الابعاد الدينية
والطائفية والسياسية بكل مساحات العقل والعاطفة وتصطبغ بالدم والجراح والمجازر
ودهاء الصورة والاعلام الصادق والكاذب وخديعة رجال الدين والسياسة ، من بين كل هذا
المعمعان مطلوب منك أن تكون وسطيا وأن تتحرى
البعد عن التطرف والغلو وأن تتجنب الظلم في الموقف والكلمة أو أن تقف مع ظالم أولا
تنتصر لمظلوم أو تجامل في موقفك أو أن تأخذك ردة فعل لعمل مستفز فتخرج عن جادة
الصواب وتنداح الى طرف الطريق .. كل هذا نراه اليوم ممن يدعون الوسطية وأصبحوا بعد
الازمة السورية على الطرف .. لم يستطيعوا المحافظة على هذه الوسطية ..
ثم إن هناك رواسب في أعماق العقل الباطن
غالبا ما تستحضر ويعاد إخراجها فمثلا بخصوص البعد الطائفي هناك مخزون أسود عند كل
طرف على الطرف الاخر ، فقط عندما يعرض للاستفزاز يخرج هذا السواد على سطح البصيرة
فلا يرى الا ما يريد منه التفكير الطائفي أن يرى فيغيب العقل وتغيب معه الوسطية
تماما .
وهكذا وجدنا أنفسنا في عالم تتلاطمه امواج السياسة
وتأخذ بنا بعيدا ولا تجعلنا نرى ابسط الاجابات على أبسط سؤال : من المستفيد من هذه
الحرب ولا نفكر في كيفية السبيل للعمل على وقفها والاصلاح بين أطرافها ..
وكان لا بد لنا من التنويه أن الاسلام قد
أعطى للعقل هامشا واسعا للتفكير بل هو الذي يجب عليه حمل النص وفهمه وتنزيله على
الواقع تنزيلا صحيحا .. هذا بشكل عام وفي الميدان السياسي يكون حضور العقل أوجب ..
وبهذه الروح اذا اتقنا معادلة العلاقة بين النص والعقل في الاسلام يصبح الخلاف في
الميدان هو خلاف سياسي بامتياز لان الجميع في هذه الحالة يعمل العقل في تقدير
المصالح وتحقيق المقاصد التي يعذر فيها العلماء وأتباعهم بعضهم بعضا كون الخلاف
اصبح غير عقائدي ولا يخالف قطعيا في الثبوت او الدلالة .
أقول ان الوسطية ثورة في عالم السياسة يجب ان
لا تضيع .. وإنها في حالة واحدة لا تضيع إذا فهمناها بشكل صحيح واذا طبقها من
يدعيها تطبيقا صحيحا في الميدان السياسي بعيدا عن اي تفكير طائفي او عاطفي تتدافعه
ردود الافعال دون ان يجعل الوسطية ضابطا لانفعالاته وردود افعاله على الاخرين ..
يبقى سؤال كبير كيف يكون هذا ؟؟
التسميات :
مقالات