من قال ان القرضاوي معصوم ؟؟











من المعروف في تاريخ الفقه الاسلامي أن
المجتهد عندما يصيب له أجران وعندما يخطىء له أجر واحد ، ومن المعروف أيضا أن
جدلية النص والعقل قد وجدت حلا عظيما في الفكر الاسلامي، فلا النص يلغي العقل ولا
العقل يلغي النص ، فهما متكاملان وكل منهما ضروري للاخر ، فالعقل يسترشد من النص،
والنص يحتاج الى العقل في الفهم والدراسة والإسقاط على الواقع بطرق صحيحة من غير
تمحل ولا ليّ لأعناق النصوص لتستجيب الى انحرافات الواقع وضغوطاته . ومن المعروف
أيضا أن الفتوى تتأثر بالظرف والزمان والمكان وأحيانا تتطلب دراسة الحالة بكل
تفاصيلها ليستنبط لها حكما خاصا بها . وأن للضرورة أيضا أحكاما خاصة بها وتقدر
بقدرها، وأن هناك مصالح شرعية لها ضوابطها وهناك مصالح مرسلة لم يقيدها شيء وبقيت
مرسلة لتقديرات أهل العلم والمعرفة والاختصاص 
..


كل هذا يجعلنا ندرك تماما لماذا غير الامام
الشافعي مثلا كثيرا من فتاويه عندما انتقل من العراق الى الشام فأنشا مذهبا جديدا،
وندرك تماما لماذا كان يعود الحنبلي وأبو حنيفة عن رأيه اذا اتضح له خلاف ما رأى
من قبل، وكذلك عندما كان الواحد منهم يخالف الاخر وفي نفس الوقت يبقى على ذات
القدر من الاحترام والاجلال على قاعدة رأيي صواب ويحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ
ويحتمل الصواب  ..


وهناك ايضا مجالات يلعب فيها العقل بشكل أكبر
من مجالات أخرى ، فللمجال السياسي هامش واسع جدا للعقل يختلف كليا عن فقه العبادات
مثلا والتي اشبعت على مر التاريخ بحثا واجتهادا ، والمتغير فيها ضيق جدا بينما
المتغير في المجال السياسي كبير .. فمثلا عندما قيل لعمر بن الخطاب ان الذي يحكم
الروم داهية وأرطبون في السياسة بعث له عمرو بن العاص وقال: رمينا أرطبون الروم
بارطبون العرب لنرى ماذا يصنع ، فالسياسة كلها دهاء ومكر وإعمال للعقل ويحتاج الى
الخبرة والتجربة والعلم والذكاء وسرعة البديهة والقدرة على استشراف ما يفكر به
الاخرون وإدراك الامر من كل الابعاد والقدرة على اتخاذ الرأي السديد في الوقت
المناسب الذي لا يحتمل التلكؤ وتضييع الفرص .. تماما كلعبة الشطرنج فاللاعبون
يتفاوتون في قدراتهم ومهاراتهم وقوة تقديرهم للخطوات القادمة فلا تكفي معرفة قواعد
اللعبة والرسوخ في العلم والمعرفة وإنما لا بد من خوض غمار التجربة والتمرس في
اللعب ...   الخ  ، وهذا الذي يحسم في النهاية النتيجة وفوز طرف
على الآخر .


نعود الى الشيخ يوسف القرضاوي حيث نجد من يأخذ
باجتهادات القرضاوي جملة وتفصيلا ويفترض فيه أنه العلامة الذي لا يخطىء وأنه لا
يشق له غبار ودونه الاخرين في كل التخصصات فإن أفتى في فقه العبادات وفقه
المعاملات مبينا الحلال والحرام فهذا هو الصواب الذي لا يقبل الخطأ وكذلك فتواه في
السياسة والاقتصاد وكل ما يواكب متطلبات العصر في الشريعة والحياة .. فهما سيان
ولا يحتاجان الا الى الرسوخ في العلم وسعة المعرفة في قواعد العلم والاجتهاد .


وهناك في المقابل من يأخذ على القرضاوي فتوى
في السياسة مثلا فيحمل عليه ويتهمه بالانحراف والتحول الى مفتي السلطان وأنه قد
أصبح ذيلا للحكام فيرفضه جملة وتفصيلا ويناصبه العداء ...


عجيب أمر هؤلاء وهؤلاء ، كيف كان موقفهم من
العلماء السابقين ؟ لماذا تراه يقلد الشافعي في أمور والحنفي في أمور أخرى مثلا ؟
لماذا تراه لا يحمل على أحد من العلماء - رغم اختلاف الاجتهادات بشكل كبير- ويحفظ
صدره من أي غل او تحامل على أحد من العلماء ؟ هنا ندرك ان الاهواء السياسية قد
دخلت في الموضوع، فإن وافق العالم على ما أرى فله كل الاحترام وإن خالفني الرأي
فله مناصبة العداء ؟


وهنا لا بد لنا من إعطاء نظرة سريعة على "
الفكرالاسلامي السياسي المعاصر" ومرجعياته وكيفية استنباطاته واستخلاصاته
لمواقفه السياسية من هذه المرجعيات الفكرية التي يرتكز عليها ، إذ أن هناك الكثير
من المفاهيم الخاطئة التي تكتب وتنشر بهذا الخصوص .. بعض هذه المفاهيم الخاطئة هو من
بعض الاسلاميين وطريقة ممارستهم للسياسة، إذ انه عندما يجتهد ويخرج للناس بموقف
سياسي،فلا يقول للناس أن هذا قد خلص اليه بعقله وأنه ليس دينا مقدسا وإنما ما فهمه
من الدين، وما اجتهد كي يكون مصيبا في الدين أولا وفي طريقة اسقاطه لما وصل اليه
على الواقع ثانيا، وفي هذا الامر قد يكون مصيبا وقد يكون مخطئا ، في واقع الامر لا
يجري الامر هكذا على الغالب وإنما يأتي من أجل اقناع الناس برأيه بالاية والحديث
التي تعزز موقفه، فيفهم الناس شاء ذلك أم أبى بأن رأيه هذا هو الدين بعينه ويلبس
بذلك القداسة والعصمة في نفوس الناس من حيث لا يريد أو يريد . والذي يظهر للناس
بلحية يمثل الدين، والحليق يعتبر بعيدا عن الدين ويمثل العلمانية وغيرها،في حين قد
يكون العكس تماما إذا أعمل العقل في السياسة وكانت الخبرة والتجربة والصدق في
اصابة مصالح الناس العامة ..


ولنفي هذه الشبهة ورد مثلا أن كاتب عمر بن
الخطاب كتب : هذا ما أرى الله لامير المؤمنين .. فقال عمر بئس ما كتبت .. امحه وقل
هذا ما رأى أمير المؤمنين فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ، هذا درس يعلمنا
أن العالم والحاكم عرضة للصواب والخطأ ولا عصمة لاحد، وهذا من شأنه أن ينشط العقل
والابداع فلا تقف عقول الناس عند حدود عقول الحكام والعلماء، فينتقل المجتمع من
حالة التفكير الفردي الى حالة التفكير الجماعي وبالتالي الكل يتحمل المسؤولية
بكفاءة عالية وهذا ما عبر عنه الحديث الشريف " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
" ، وهذا ما وصلت اليه المجتمعات الديمقراطية الحديثة إذ أن المشاركة في
صناديق الاقتراع تعني أن الكل يختار من يمثله في الحكم وبالتالي الكل شريك في
القرارات السياسية والاقتصادية التي تتخذها الحكومة المنتخبة . وعندما تردد عبد
الله بن عباس بالادلاء برأيه أمام كبار القوم قال له عمر : قل يا ابن أخي ولا تحقر
نفسك .. اليوم اصبح القول في البلد لنخب سياسية ودينية وأصبح الشعب اما مصفقا او
متفرجا لا يعنيه الشأن العام .


ثم إن نظرة الاخرين الذين يكتبون ويحاولون
تشريح أراء ومواقف لاصحاب الفكرالاسلامي السياسي المعاصر لا ينطلقون من معرفة
واسعة بطبيعة الفكر الاسلامي وسعة هامش العقل في هذا الفكر خاصة في المجال السياسي،
فيدخلون أو يدخلهم النقاش في دائرة الاسلامي وغير الاسلامي أو من يقبل الاسلام ومن
يرفضه وبالتالي تصنيف الاشياء بين الاسود والابيض دون رؤية بقية الالوان والابعاد
للمسألة مدار البحث والنقاش .. وكذلك ينظر للاسلاميين إن جاز التعبير بأنهم جامدون
وتحكمهم نصوص لا تعطي مجالا لعقل وأنهم لا يعطون للحداثة ومتطلبات التطور لهذا
العصر أي اعتبار بل هم قادمون من عمق التاريخ ليعيدوا عجلة الزمان الى الخلف مئات
القرون .. وبهذا يبقى كل على حاله :


أقول أن الاوان أن يفهم كل الاخر بما هو عليه
بعيدا عن الاوهام المصطنعة والتي تزيدنا فرقة واختلافا بسبب او دون سبب .. أن
الاوان لنعمل العقل والدين وكل متطلبات النجاح والابداع والخروج من الاصار
والاغلال التي صنعتها سنوات مديدة من التخلف والعقم السياسي  ، أن الاوان ان ينفتح كل على الاخر وأن يخرج كل
من قمقمه فلم يعد الاسلامي اسلام خالص لا تشوبه شائبه ولم يعد العلماني ايضا خالص
في علمانيته لا تشوبه شائبة ، لقد أخذ كل من الاخر في مجال العقل والحكمة والتجربة
السياسية .. والشيخ القرضاوي ليس بدعا من الامر بل هو عالم مجتهد يصيب ويخطىء ،
نتفق مه ونختلف وكا قالوا قديما كل الناس يؤخذ منهم ويرد الا صاحب هذا المقام ..
اي رسول الله صلى اله عليه وسلم .













أحدث أقدم