عبد الرؤوف المحتسب لن ابيع بيتي

تكالب الصهانة بل أشرسهم وأشدهم حقدا
وعداوة على محيط بيت عبد الرؤوف، كانت هذه
 الطريق
المؤدية الى المسجد الابراهيمي في مدينة الخليل عامرة وزاهرة فاصبحت خرابا، اصبحت
كبلد ضربها زلزال شديد أو كتلك التي قال عنها سيدنا ابراهيم عليه السلام: أنّى
يحيي الله هذه بعد موتها، انعدمت التجارة بعد أن كانت سوقا يؤمه يوميا عشرات
الالاف، نشر الصهاينة ومتطرفوهم الرعب والهلع مما دفع كثير من سكان هذا الحيّ الى
الهجرة منه، ولا نخفي سرّا عندما نقول هناك من باع بيته ورحل ليشتري في منطقة آمنة
بيتا يأوي به أطفاله وذويه فالولد مجبنة مبخلة، 
فيدفع الحرص على الابناء الى البخل والجبن. 
شكّل بيت عبد الرؤوف شوكة في حلقهم، يقف

شامخا راسيا حاكيا قصة البيت الفلسطيني بجدارة مطلقة، كلّ حجر فيه يمثّل الحكاية،
بيت قد قدّ حجره من حجارة الجبل الفلسطيني الصلب، وكان البت لافتا في طريقة بنائه
التي تنبئ بروح المجد وعبق التاريخ، ولعلّ المغري في هذا البيت هذه التراثية
الجميلة المتمثّلة ببنائه العتيد، ترتفع بك درجاته المرصّعة بالحجارة القديمة لتجد
نفسك في فناء بيت فسيح يتنازعه معرش عنب تتدلّى من سقفه قطوف العنب الخليلي، ذو
المذاق العسلي الغنيّ بحلاوة منقطعة النظير، وهناك في الزاوية اليمين توتة وارفة
الظلال، تبدو بعلوّها كأنها تناطع السماء عزّة وشموخا، ثم تجد الغرف الموزّعة
أبوابها على هذه الساحة وكأنها اشبال تتمطّى في حضن لبؤة ترخي جناحيها لابنائها
الاعزّاء، وتجد مجموعة من الاحفاد بأعمار مختلفة كأنهم اللؤلؤ المنثور يتقاسمون
اللعب في هذه الساحة، مرتعهم المحبّب

طرق الباب غرابان بليدان يلبسان ثياب
الصلاة التي يزعمونها، قطعة بلاستيكية سوداء تربط على الجبين وخيوط تتدلّى من
الخاصرتين وقميصا أبيضا على سروال أسود، نزل لهم نزلة أسد بكامل هيبته، بوجه مشرق
مقطّب الجبين، عينان تلمعان بحزم كعيون صقر قد استوى على فريسته، لحية قد غزاها
الشيب، هندام متوسّط الاناقة وكأنه لا يعرف الا الجدّ والعمل والتصميم على فعل
الخير

عبد الرؤوف " بصوته الاجشّ" ونظراته
الحادة
-        

لا أهلا ولا سهلا، خير ان شاء الله.

-        مساء الخير خبيبي.

        من أن ياتي الخير؟ منكم؟

-        اسمع خبيبي احنا حابين نشتري البيت، كم بدّك ثمنا لهذا البيت؟

-        هكذا مرّة واحدة بدّك تشتري البيت؟  وإذا قلتلك أن هذا البيت ليس للبيع.

-        بسيطة نسيطر عليه بالقوة، جيش الدفاع جاهز؟

-        انت تهدّدني بجيش الدفاع! صار هجوم بطّل دفاع!  ثم أنت يبدو عليك متديّن، فهل يسمح لك دينك أن
تسيطر على بيون الناس بالقوّة.

-        لا طبعا ، نحن نريد أن نشتري منك وندفع حقّه كاملا و"كاش".

-        بيتي هذا ليس للبيع، مفهوم.وبعدين أنتم لا تقدرون على ثمنه.

-        اسمع خبيبي احنا مستعدين ندفع مليون دولار.

-        هههههه مجانين انتم، بالفعل مجانين.



-        
كم تريد سيّد عبد؟

-        قلت لك هذا البيت ليس للبيع.

-        في كثير باعوا سيّد عبد.

-        انا بيتي ليس للبيع وما عندي وقت يا الله، ما بدّي اشوفكم هون
بالمرّة؟

" شدّ أحدهما  على حنجرته وهو يولّي وزعق:

-        ندفع لك خمسة ملايين سيد عبد، حطّ عقلك في راسك وفكّر مليح.

-        قلت لك ما بدّي أشوف وجهكم هون.

هتف الثاني وخرج عن صمته كمن يدّخر الضربة القاضية في مبارزة ملاكمة:

-       اسمع عبد، عشرة ملايين دولار.

-        لو تدفعوا مال الدنيا كله لن أبيع بيتي، انتم لا تعرفون معنى هذا البيت،
هذا البيت عاش فيه ابي وأمّي، أنا أشم رائحتهم في كلّ زاوية من زواياه، هذا البيت
وصيّة أبي عن جدّي، هذا البيت أرضي وسمائي، روحي من روحه وروحه مزروعة في اعماق
روحي، أنتم لا تفهمون هذا الكلام، لا تفهمون سوى لغة الدولار والرصاص.

-        اسمع خبيبي انا بدفعلك ثلاثين مليون، اغلى بيت في العالم. فكّر في
الموضوع وعيش حياتك انت وابناءك واحفادك، تقدر تشتري فيها عشرين عمارات كبيرة،
مجنون انت اذا ترفض.

-        وانتم من تدفعون هذا المبلغ ألستم مجانين؟

وتوالت العروض السخيّة جدا وتعاظم تمسك
الشيخ ببيته ، لم يخفض قلبه جناحه لعروضهم لحظة، بل ازداد تمسكا ببيته وازداد
إدراكا لقيمة هذا البيت، فإذا كان أهل الباطل ومن ليس لهم صلة بهذا البيت يدفعون
كلّ هذه المبالغ فكيف بمن يعرف قدر هذا البيت ويدرك حجم الذكريات المدفونة فيه
ويدرك قبل كلّ شيء الحق العظيم الذي يمثّله هذا البيت في مثل هذا المكان الذي
يتصارع فيه الخير والشرّ، رموا عليه كلّ اغراءاتهم وتهديداتهم دون أن ينالوا لحظة
تعطيهم الامل في شراء هذا البيت.



لم يدخلهم البيت مرّة بل كان يردّ عليهم
سفاهتهم وهم خارج البيت، وكان كلّ مرة يعود الى ساحة البيت ليلتفّ حوله أحفاده ومن
تواجد من أبنائه: يعرضون علينا هؤلاء الذين سيطروا على فلسطين بقوّة السلاح أن
يشتروا منا هذا البيت، ويقرأ في عيون الاطفال الذين لم يدخلوا بعد دروب السياسة:
طالما أنهم قادرون على أخذه بالقوة لماذا يريدون شراءه بهذه المبالغ الكبيرة؟ فيقول
لهم: يريدون ان يثبتوا أن هناك فلسطينيا يبيع وصهيونيّ يشتري بحرّ ماله، لن أعطيهم
هذا أبدا ولن أكون الفلسطينيّ الذي يبيع بيته لهم.

طرق الباب وفد من الذين تصهينوا في أمريكا ولم يعرفوا طبيعة الشخصية الفلسطينية وصلابتها،

عرضوا عليه مبلغ مائة مليون دولار ودخلوا عليه مدخلا جديدا لعلّ الصخرة التي في راسه تلين:

" اسمع سيدّ عبد، إذا أنت خائف من الثورة الفلسطينية إذا بعت البيت فسنؤمن رحيلك إلى أيّ دولة تريد، أمريكا، كندا، استراليا
، وستفتح هناك حسابا لتتأكد بأن المال قد وصل حسابك، وسندعمك في إقامة المشاريع
التي تريد ان تستثمر مالك فيها، ستكون أغنى أغنياء العالم "

-        لست خائفا من أحد، أخاف من ضميري فقط، أنا أحب المال كبقية البشر ولكن
المال الطاهر، مالكم مغمّس بالنجاسة والخيانة.

تحطّمت كل محاولاتهم على صخرة صموده وثباته على مبادئه، بقي شامخا هو وبيته في مواجهة أعاصيرهم، وبقي شاهدا على الحق الفلسطيني الذي لا تذروه رياحهم السوداء مهما طغت ومهما بلغت من سوء.

("عبد الرؤوف المحتسب " رجل عاش حرّا ومات على ذلك دون أن يقيل او يستقيل: توفي
يوم 22-12-2022)
      



Previous Post Next Post