الوعي السياسي ضرورة
مع كل أزمة سياسية أو ملمّة كبيرة أو حادثة تهزّ أركان عقولنا وقلوبنا أو
ريح سياسية عاتية تنكشف هشاشة المعادلات التي نرتكز عليها في اتخاذ مواقفنا
السياسية، ما السبب في هذه البلبلة او الضبابية أو فقدان القدرة على
الرؤية الصحيحة والوصول الى الموقف المتزن الاقرب الى أن يكون صحيحا؟ ولا
أقول هنا الصحيح لان ادّعاء الحقيقة والصوابية المطلقة في الفهم السياسي
درب من الغرور، خاصة وقد أصبحنا في واقع بالغ التعقيد وبالغ الكيد والمكر
حيث تتكالب عليه كل أجهزة المخابرات والاعلام الفاسد الدولية والاقليمية
بكامل قدراتها على المكر والخداع .
أقول وباختصار شديد أن السبب
الحقيقي هو في منظومة تفكيرنا السياسي التي لم تُبن بطريقة منهجية وإنما
جاءت من هنا وهناك انتقائية بامتياز، عاطفيا وجدنا أنفسنا على الغالب مع
طرف من الاطراف ثم أخذنا نتبنّى طريقة هذا الطرف في التفكير السياسي ونبني
مواقفنا على مواقفه لأننا أحببناه وأحببنا قادته ومنظّريه، نقيس الامور في
بعدها أو قربها من الذي انحزنا اليه، بهذا يصبح التفكير عاطفيا ومتعصبا
وعلى طريقة معاكسة لمقولة الامام علي : " اعرف الحق تعرف أهله " صرنا
نسترشد بمن اعتقدنا أنهم أهل الحق لمعرفة الحق، فإن غزت جهينة غزونا معها
دون اعمال الفكر بمنهجية تفكير صحيحة للوصول الى معرفة هل غزوة جهينة على
حق ام هي على باطل؟
وزد على ذلك إذا كان هذا الشاب او الفتاة في
عنفوان الشباب والاندفاع العاطفي وكذلك اذا كان متدينا يرى موقف الطرف الذي
انحاز اليه نابع من وحي تعاليم دينه فيغلّف فهمه بآية كريمة أو حديث شريف
أو اي دليل من الاثر والسلف الصالح، هنا يصبح رأيه السياسي اعتقادا دينيا
لا لبس فيه ولا شك ولا يحتمل أي تراجع أو اعادة في النظر والفهم الذي
تبنّاه يصبح مقدّسا وجزءا من دينه مستعد للموت من أجله، رغم أن هناك فرقا
بين الدين وفهمنا للدين إذ الاول مقدّس والثاني اجتهاد بشريّ يصيب ويخطىء
خاصة في العمل السياسي.
الوعي السياسي علم قائم بذاته له قواعد وأصول
وله معادلات لا بدّ من اتقانها تماما كأي علم. فهل يكفي للانسان أن يكون
طبيبا من خلال ما يسمع من هنا وهناك ومن غير أن يدرس الطب على اصوله؟ ( على
فكرة هناك من يمارس الطب بهذه الطريقة ) وهل يكفي ان يكون محاميا قانونيا
دون أن يدرس هذا العلم؟ وهكذا كل العلوم. نعترف بضرورة دراستها على أصولها
الا العلوم السياسية فانها مشاع متروكة لكل من يريد ان يفتي فيها بعلم او
دون علم، فقط ما عليه الا أن يميل قلبيا الى جهة ما ويحفظ بعض مواقفها
ليستند اليها في كل مواقفه وآرائه السياسية بحقها وباطلها وبخيرها وشرها.
للمتدين نقول ان هناك قواعد ومنطلقات وهناك مقاصد لا بد من مراعاتها ثم
بينهما هناك تكمن العلوم السياسية والخبرات الانسانية في هذا المجال لا بد
من معرفة اصول التفكير فيها، هناك هامش واسع للعقل واعماله في هذا الميدان
الواسع لفهم الموازنات الدقيقة في عالم المصالح ودرء المفاسد وتقدير
الضرورة بقدرها دون زيادة او نقصان.
ولغير المتدين ايضا لا بدّ من
مراعاة هذا العلم بكل أصوله وفروعه والتي تعمل على تقدير مصلحة الوطن
وتقدير فن الممكن ومعرفة الى اين نحن سائرون ؟
ومن الجدير ذكره بان
الخلل في هذه المعادلات يترتّب عليه أضرار جسيمة ، قد يجرّ ذلك اصرار على
الخطأ يدفع ثمنه الوطن ارواحا كثيرة ومقدرات وسنوات طويلة وسير بالاتجاه
غير الصحيح ، وقد نقع في خدمة سياسة أعدائنا من حيث لا نحتسب وقد نكون
كالثور في حلبة مصارعة الثيران ننطح الخرقة الحمراء لنتلقى بعدها الضربات
القاتلة من اعدائنا .
لقد وقعت دول كبيرة في المنطقة في حروب طويلة
كانت نتيجتها الدمار والهلاك ثم تكتشف أن هذه الحرب كانت في سياسة الاحتواء
المزدوج لتلك الدولتين من قبل عدوها المشترك ؟!
الحل هو الوعي السياسي كعلم متكامل قائم بذاته:
#فرحم_الله_امرءا_درسه_على_اصوله أو سكت فسلم.
التسميات :
مقالات