"جنى" في مرمى القنّاصة ...مدونة الاديب وليد الهودلي

       

جريمة كبرى ان أعود اليوم دون أن ينفّس سلاحي عن غضبه.



( قالها أحد الجنود
الاسرائيليين للجنديين الذين معه
 من موقع قنص احترافي)



-        
لكنها طفلة لم تبلغ الثانية عشرة، قتلها برصاصنا فضيحة كبرى لدولتنا.



-        
هذه التي تقول عنها طفلة ان لم نقتلها اليوم قتلتنا غدا.



" هتف الثالث مؤيدا
للأول:



-        
قل لي يا صاحب القلب الطيب الى حدّ السذاجة: لو رأيت فرخ أفعى صغير،
ألا تقتله؟



-        
هذه انسانة وليست أفعى.



-        
ولكنّ في داخلها قنبلة موقوتة.



-        
 كأنك لم تسمع بتعليمات
الحاخامات، لا تتردّد باطلاق النار عليهم لانهم أفاعي وصراصير.



-        
انا علماني لا أؤمن بحاخاماتكم.



" قهقه صاحباه عاليا وحدقا
به تحديقا قاسيا أصاب عمق قلبه!"



-        
لماذا يا "حبيب أمّك" هاجر والداك الى دولة اسرائيل؟ فكرك أقمنا
دولتنا بالأزهار والورود؟



" وسأله الثاني بشيء
من السخرية:"



-        
اسأل أباك: في أي عصابة كان وكم قتل من "الجويم" وهل كان من
بين الذين قتلهم أطفال ونساء وشيوخ؟ وهل كان يصوّب فقط على الشباب؟



-        
كان يفحص الهويّة ويدقّق في العمر ويرى وزنها ثم يطلق عليها النار إن
كانت وفق المعايير والمقاييس الانسانية. " قال الاوّل متهكما"



-        
أخشى أن يضيّع هذا النقاش علينا الهدف، صوّب رشاشك أخي، لنرى قوّة
تهديفك من قوّة تهديفي، محسوبك لا اصيبها فحسب بل أحدّد ماذا أريد منها: الرأس أم
القلب.



-        
دعني أطلق اولا.



جنى طفلة
فلسطينية جميلة، نمت وترعرت في بيت يقيم لها حفاوة كبيرة، هي البكر لوالدين
أحاطاها بطوق من الدفء والحنان، وكانت سعيدة منسجمة في بيئة مدينة تجمع بين حداثة
ناشئة وبراءة ريفية أصيلة، لها صديقات جميلات من صفّها ومدرستها، مجتهدة متفوّقة
ومتقدّمة على غيرها.



 في هذا اليوم كانت أّمها مريضة طريحة في فراشها
فكانت جنى تحاول أن تقوم مقام الأم في واجبات البيت، دون أن يطلب منها أحد كانت
بمثابة ربّة البيت ومديرة شئونه من ألفه إلى يائه، هذا أشغلها عن قطّتها التي كانت
تدلّلها وتسمّيها:"لولو".



في هذا
اليوم أنهت واجباتها المدرسية، وأعطت للبيت حقّه ثم ولجت الى غرفة أمّها لتجد
الابتسامة التي تشرق في قلبها وتعطيه الطمأنينة بأن أمّها بخير وستتماثل للشفاء
قريبا بإذن الله.



من هناك
سمعت أصوات انفجارات تهزّ أركان المدينة، رشقات الرصاص تشقّ جدار الصمت وتعلن
الحرب والاستنفار، بدت أنها معركة قاسية يخوضها المقاومون في مواجهة جيش هذا
المحتلّ البغيض، يصرّ على العدوان والقتل والمقاومون يصرّون على المواجهة والدفاع
عن المدينة الجميلة ومخيمها المرابط في خاصرتها القويّة.



 تذكّرت جنى قطّتها وبأنّها الان في خطر، قد
يصيبها رصاصهم المجرم، صرخت جنى: لولو قطتي لولو. صعدت السلّم ومشهد لولو مضرّجة
بدماء رصاصهم يسيطر على قلبها، ماذا لو قتلوا لولو؟ حتما سانتقم منهم، سادعو
للمقاومين أن ينتصروا عليهم، ولكنّهم كل يوم يقتلون من شبابنا وفتياتنا يا جنى؟ هل
لولو أعزّ عليك من شباب فلسطين؟ هذا سؤال بارد يا جنى، لا داعي للمقارنة لكلّ منهم
مكانة في القلب.



فتحت
بوابة السطح، ملأ صدرها الغاضب هواء جنين العليل، عبق البارود والشهداء وغبار
المعارك، رائحة الموت والقتلة والقناصة تنتشر بطريقة عشوائية مخيفة، صوت الرصاص
الحاسم القاطع يئزّ فتنتفض الاذان وتبلغ القلوب الحناجر، تردّدت جنى قبل أن تخطو
الخطوة الاولى على سطح المغامرة والموت، سمعت مواء قطتها تموء بعشق وحزن وخوف:
" اين أنت يا حبيبتي جنى؟ تتركينني وحدي للقصف والموت، ها قد جئت، فكما لا
أطيق فراقك أنت لا تطيقين فراقي، المهم أنقذيني من براثن الموت، أخرجيني من هذا
المكان الذي لا سقف له.



اندفعت
جنى الى حيث قطتها المدلّلة، وانطلقت القطة لعناق جنى عناقها الحارّ هروبا من
الموت الى الملجأ الامن. لم يكن لهذا العناق الجميل من فرصة، كان هناك قناصة
لاغتيال هذه الفرص، اخترقت اربع رصاصات حاقدة صدر وراس جنى دفعة واحدة، كان الحقد
كبيرا وكانت الفاجعة كبيرة كبيرة، ملأت أركان جنين وفلسطين وانتشر دماؤها ليملأ
الفضاء الكوني كلّه.



صفّق
الجنديان لقناصهم المحترف، فاحتراف القتل يستحق التصفيق، ومن خلفهم صفّقت حكومتهم
المتطرفة وكلّ مكوناتهم السياسية المتعفّنة.



صعد الجميع الى السطح وشاهدوا لولو وهي تطوف حول صديقتها جنى بحيرة وحزن
وبكاء صامت حز


أحدث أقدم