مسلسل عثمان مدرسة ثورية بامتياز ( نبضات ساخنة 356 )


في مقال سابق كتبت عن مسلسل قيامة ارطغرل
وذلك قبل الفتوى المأجورة التي حاولت صدّ الناس عنه فارتفع رصيده لان الناس يعرفون
من يقف خلف هذه الفتاوي ولأنها تقاعست أمام الفن الهابط ومسلسلات العهر والتطبيع،
وجاءت لتتذاكى على مسلسل أقل ما يقال فيه أنه مدرسة للقيم التربوية الاسلامية
بامتياز، بينما من تهدم هذه القيم لا تُصدر الفتاوي بحقّها ويترك لها الحبل على
الغارب.


واليوم جاءنا مسلسل قيامة عثمان محمّل بذات
القيم، يرتقي بالحسّ والوجدان ويعلوا بمن يتابعه إلى قمة باسقة من الوعي والثورة
والشجاعة والنخوة وعلوّ الهمة وصناعة الارادات العالية التي تصنع التغيير وتقود
الى تحقيق الانتصار، وكذلك تنتفض في دواخلنا مشاعر العزة والكرامة والحرية
والسيادة وكل أشكال تحقيق الذات: الفردية والجمعية. وكلّ ذلك يجسّده المسلسل بروح
جميلة ومستوى عال من التشويق والمتعة، مسلسل يجمع بين المحتوى ذو القيم العالية
الكبيرة العظيمة وبين الدراما الراقية المحترفة التي لا تدع لحظة يتسلل فيها الملل
أو لحظة لا تأتي بك من أعماقك لتسمع وترى ما يتحف الروح ويسرّ الفؤاد.



·       في هذا المسلسل حضور
كبير للروح الإسلامية الإيجابية، الناشطة والفاعلة، يجعلك ترى أثر الدين والعبادة
في دائرة الفعل ومواجهة الباطل، يريك كيف يثوّر الدين الانسان المؤمن بكل طاقته
الروحية في ميادين الفعل لتنتج أفضل ما يمكن، سواء كان ميدان الاخلاق والمظهر
الاجتماعي للعبادة أو ميدان مواجهة العدو الخارجي بكل قوة وثبات، بينما كثير من
المسلسلات والأفلام العربية تظهر الحضور الديني بشكل سلبي يعزز حالة الهروب من
الدين والتحامل عليه.



·       ويربط المسلسل بين
الدين والسياسة ربطا محكما ذكيّا فلا تطغى السياسة على الدين ويُهمّش ، فقد برع من
خلال ما أظهرته طريقة التفكير السياسي وتطبيقاته العملية عند المثال المطروح وهو
هنا شخصية عثمان، وفي ذات الوقت لا يطرح الدين في قوالب جامدة تعيق السياسة
العملية الناجحة، هي معادلة وسطية تجمع بين الاثنتين بطريقة حكيمة وفريدة ومميّزة
تجعلك  تستقي منه دروسا لهذه المعاملة التي
أتقنوا صنعها وعرضها بصورة مميّزة.



·       وفيه حضور قوي لدور
المرأة الايجابي والريادي وكيف تسير جنبا الى جنب مع الرجل في صناعة حياة الحرية
والكرامة وصناعة الانتصارات المجيدة والسير قدوما نحو بناء المستقبل المطلوب. فلا
تهميش لأحدهما من قبل الاخر بل هو التكامل والتعاون وجمال صورة الحياة الاجتماعية
والجهادية المشكلة من كليهما. فدور المرأة لا يقف عند حدود ظلّ الرجل وتقديم
المساعدة والعون والخدمات اللوجستية بل هي الشريك الكامل وفي كل أوجه النشاط، من
ترتيب شئون البيت والاسرة السعيدة الى الحرب والاشتراك المباشر بضرب السيوف وكل
مهمات المحارب، الفعلية والاستخبارية والذكاء السياسي الحاضر في كل التفاصيل.



·       وقد برع المسلسل في
تفاصيل الصراع الحضاري والإنساني بين ثلاث حضارات: المغولية والبيزنطية والإسلامية
وكانت نور الأخيرة وظلمات السابقتين واضحة للعيان، كانت الحوارات الفكرية تظهر بكل
موضوعية وتحريّات تاريخية كل طرف على ما هو عليه وكيف كان الإسلام ينتصر فكريا
وقيميا قبل أن ينتصر عسكريا على أرض الواقع.



·      
 في المسلسل صورة تفصيلية
للجبهة الداخلية، يشعر المشاهد بانه يعايش هذه الحياة بثقافتها وعاداتها وتقاليدها
والتركيبة النفسية لأهلها والتوازنات الدقيقة لأعرافها، ويتجلى فيها الصراع بين
عدة أطراف، طرف المنعة ورفع الهمم خاصة عند اشتداد جبهة الأعداء وتكالب قوى الشرّ،
وطرف منافق مستعد لخدمة معسكر الأعداء لاعتبارات ضيقة مقيتة وبينهما تتعدّد أنماط
السلوك الاجتماعي يرسمها المسلسل بطريقة بارعة.



·       وفي المسلسل تدريب
عملي على الحسّ الأمني وأخذ الحذر والانتباه من عدم الوقوع في براثن الأعداء، وفي
هذا المجال يجد المرء نفسه في كلية أمنية                                               
بامتياز، المسلسل مليء بالدهاء والمكر والدسائس والعمل الاستخباري ومعرفة
ما يخطط له الأعداء، وأي إهمال أو خلل يكلف كثيرا من الأرواح والخسائر وقد يحدث
الهزائم النكراء، بينما الانتباه وتوظيف الخبرات والتجارب السابقة ينجّي من
المصائب ويقي من عثرات الطريق.



·       وفي المسلسل رسم
لشخصيات فذّة تقوم بأدوار عظيمة في الحياة وتشكل نماذج قدوة للجيل الواعد الذي
يتابعه، ويرسم أيضا صورا لشخصيات مذمومة خائنة جبانة تُنفّر من هذه النماذج
المدمّرة، لتجد الشاب أو الفتاة قد تشكّلت في صدره اتجاهات نفسية تميل به الى
النماذج الجيدة، تنفّره وتبعده عن النماذج السلبية.



هذا المسلسل تماما كمسلسل "ارطغرل"
مدرسة قيمة لزراعة القيم الجهادية والثورية ولتبديد روح الهزيمة وترسيخ روح
الانتصار، والتي بها تقوم الامة وتنهض من سباتها الذي طال عليه الامد. لن أفيه حقه
في هذه العجالة ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه.       



Plus récente Plus ancienne