أبو طير الصقر الأشمّ في سماء القدس (نبضات ساخنة 340)

 أبو طير الصقر الأشمّ في سماء القدس



الشيخ محمد أبو طير يتجاوز خط الثلاثين سنة
في السجون، يُعتقل من جديد ولا أدري كم عدد اعتقالاته من كثرتها، الذي أدريه تماما
والذي رأيته بأم عيني أنه كالطود الشامخ لا تلين له قناة، يحلّق دائما في أعالي
السماء، يصنع الموقف وتخرج الكلمة كالرصاصة ، يخرق بها أرواحهم السوداء، يصعد منبر
عسقلان بدل نخلة ساحته التي أعدموها بدم بارد، يصعد منبر الروح العالية بلا منبر،
تتصدّع له أسوار السجن ويصغي له تاريخ عسقلان بأذنه الواعية، ينشقّ صدر الألم
ويزرع به الحياة والامل، يضرب المحتلّ في مناطق ألمه وينشل المعتقل من جلبابه الذي
يحاول أن يفرضه عليه سجّانه ، من معاقل الاحرار يصنع الحريّة وروح الانتصار، من
عنده يتخرّج الرجال والابطال، يمنحهم من خلاصة روحه ويلبسهم تيجان الحريّة والعزّة
وأنفة الكبرياء.



عندما يبلغ صراع الارادات ذروة كسر العظم
في السجون تجد الشيخ في الموقع الأشرس في خندق المواجهة، يحاور من منطلقات العزّة،
يهابه عدوّه ويحسب لقسمات وجهه واهتزازات لحيته البيضاء ألف حساب، وإذا أرادوا
الهروب من غضب الشيخ بسطوا أيديهم رغم أنوفهم الحاقدة، يدرؤون عن أنفسهم غضبة
الشيخ وما سيأتيهم بعدها، بالفعل يضعهم الشيخ في زاوية أخفّ الضررين لهم، وهكذا
أصبح للشيخ سلطانا على السجان بعد أن لم يكن للشيطان عليه سلطانا.



الشيخ في السجون يسير بقلب أم وعقل أب،
يأوي الاسرى الى قلبه الكبير التماسا للدفء كما يأوي المسافرون من هجير الصحراء
وقيظها إلى واحة وافر ظلالها، يجدون من يبلسم جراحهم، ويؤنس ارواحهم، ومن معين
علمه الواسع يعطي بلا حدود، يغرس غرسه وينمّي زرعه ليستوي على سوقه ويغيظ بهم
السجّان، الشيخ في السجون منارة علم وروح ثائرة، يجمع بين العلم والثورة، وهذه
ميزة يجد فيها المعتقل ضالته إذ أنه خارج السجن لا يجد الا اكاديميات نظرية لا
علاقة لها بالجهاد والثورة لا من قريب ولا من بعيد، هنا يجد نفسه أمام مجاهد مخضرم
ملك العلم والخبرة وصقلته التجربة، هنا لك أيها الشاب أن تنهل من هذا الشيخ
الرباني، تستمع بشغاف قلبك ممن يخطف الفؤاد والبصر ويبسط بحلاوة منطقه وخفة روحه
نفوذه على كل مساحات القلب، لك أن تعرف الدين بروحه العملية والحركية والجهادية
العميقة القوية، ولك أن تعرف الوطن بعد أن تلامس روحك نبضات الشيخ العالية لتجد
الوطن بأبهى صوره وقد تربع عل كل مساحات قلبك.



حوّل الشيخ سجنه الى جنة في قلبه باعتباره
خلوة مع ربه قد اصطفاه مولاه وحبيبه لها، أصبح السجن له عزلة يدخل بها ميدان فكرة،
على صعيده الشخصي فورا يتحوّل زمن السجن الى زمن مميّز يلج من خلاله إلى فتح علاقة
جديدة مع ربّه، يرتقي في سلّم محبة الرحمن ودرجاته الرفيعة، يرضى عن ربّه وينظر
إلى رضى الله عنه وقد أصبح أقرب اليه من حبل الوريد. أما مع غيره فيشكل روحا تسري لتشعّ
بالعلم والمعرفة وتنير دروب السائرين بكل الطرق الممكنة، يمثل لهم الشيخ السهل
الممتنع فيُفصّل في المختزل ويقتصد في الطويل ليصبح بعد ذلك ميسّرا مغدق الثمر
وممتع في إعمال الفكر والنظر، ويضيف على ذلك من شذى روحه العذبة ما يسحر العقول
والارواح.



اذا ذكرت السجون يوما فلا بدّ وأن تذكر
قاماتها العالية، مكانتها وسيرتها واعمالها وانجازاتها رغم الظروف الحالكة، وإذا
مررت بذروة سنام الحق فستجدهم هناك، وإذا رمت العلى فحتما ستجدهم في أعلى عليين
بإذن الله.



وفي عملية إرهابية تقوم بها سلطات
الاحتلال، نزعوا القلب من الجسد وأبعدوا الشيخ مع مجموعة من أحرار القدس عن مسقط
رؤوسهم ومرتع طفولتهم حيث نشأوا وترعرعوا في أحضان القدس، انقضوا على أرواحهم
بطريقة تعسفية همجية، وألقوا بهم خارج القدس، وهو من ذلك الحين يقطن حيّا من أحياء
البيرة على مشارف القدس، يطلّ من هناك، عين على القدس وعين على إخوانه في قلاع
الاسر، والان هو معهم محروم من القدس ومن النظر اليها عن بعد.  



الشيخ محمد أبو طير قامة من القامات
العالية إن لم يكن أسبقها، ولا يمكن أن نمرّ على سيرته أو بطرف يليق بها في عجالة
كهذه، جمع هو ذلك في كتاب أسماه سيدي عمر، من المفيد جدا أن نقرأه وأن ننير قلوبنا
من نوره، بلا ريب إنه صقر القدس الاشمّ.        



Plus récente Plus ancienne