وإذا #المساجد_سُئلت_بأي_ذنب_جُفّفت ؟!



سلب روح المساجد    

( في هذا المقال لا أنتقد السلطة فيه وإنما أبحث عن حلول ، المشكلة فيمن
يدير مديريات الاوقاف ، غير مؤهلين وعندهم استعداد عال لتجفيف ينابيع
المساجد بسوء ادارتهم وتقديمهم الولاء على الكفاءة لانهم أصلا عُينوا على
أساس هذه القاعدة )
من المفترض أن يكون للمسجد دور عظيم في حياة
الناس ، هو مؤسسة تربوية بالدرجة الاولى وثقافية بشكل عام واجتماعية
واعلامية ، وتجري فيه التعبئة على قدم وساق في هذه الميادين الهامة
والحيوية التي تسهم في تشكيل الهوية وتعزز الانتماء للوطن والقضية وتبني
قيما سلوكية ايجابية وتحرر من طبائع وعادات سلوكية سلبية ، فالمسجد باختصار
هو مصنع ارادة الخير وميدان للتحرر من كل سوء وشر .
وما عليه
المساجد اليوم في ديارنا ولله الحمد أنها تحولت الى مكان للصلاة الشكلية
منزوعة التأثير والخشوع الا قليلا ، صلاة لا تعطي مفعولها في سلوك الناس
الا نذر يسير ، بالاضافة الى موعظة الجمعة وبعض المواعظ المبعثرة التي
يجتهد فيها الائمة النشيطون بينما الاغلب يقتصر نشاطه التوعوي على خطبة
الجمعة. وكثير ما تجد من يخطب والناس نائمون حيث نية القيلولة مبيّتة مسبقا
لعلمهم بأنه لا جديد فيما سيقول الشيخ .
والسؤال الجوهري لماذا قُزّم دور المساجد الى هذه الدرجة ولمصلحة من ؟ من المستفيد من تحجيم المسجد ودوره في حياة الناس ؟

من الواضح أن المسجد في بلاد العرب والمسلمين التي كانت مستعمرة كان ملاذا
للناس وقد لعب دورا كبيرا في التعبئة المعنوية المناوئة للسياسات
الاستعمارية ، وعندنا في فلسطين خاصة في انتفاضة الحجارة برز دور المسجد
ولعب دورا كبيرا في استقطاب الشباب وتثوير طاقاتهم ضد المحتل ، لذلك كان لا
بد من استهدافه وضرب دوره هذا بعدة أساليب ماكرة كتسليمها لائمة غير
مؤهلين لادارة مثل هذه المؤسسة الكبيرة ، وتحجيم دور الامام من خلال
مراقبته ومتابعته الامنية وسحق راتبه وحشره بين مطرقة حياته المعيشية
وسندان راتبه الذي لا يكاد يسد رمقه ، فيضطر للرضوخ وتفريغ طاقته بعمل
اضافي آخر كي يستطيع العيش والنتيجة حسر دور المسجد كما ونوعا ، الاقتصار
على صلاة اسقاط الواجب وخطبة مهلهلة يوم الجمعة لا تسمن ولا تغني من جوع
وكفى الله المؤمنين شر القتال .
وحدث في هذا الامر ولا حرج : تجد
اماما لا يتقن التجويد ولا يعرف كيف يقف أمام الناس لتقديم موعظة ولم يقتصر
الموضوع على التجويد بل انك تجد من لا يتقن القراءة فيبتلع نصف الحرف
ويقلب المعنى والويل لمن يعترض عليه . وتجد من لا يحضر للمسجد الا الجمعة
وتجد من ينزعج من حضور الاطفال او الفتيان فيطردهم شرّ طردة وتجد من يهرب
الناس من الصلاة خلفه الى المساجد المجاورة وتجد وتجد ... والجهات الرسمية
ترضى عنه طالما أنه يعمل غفرا لسواحلها .
ثم دور الكفاءات المتطوعة
والتي يمكن أن يشجعها الامام ويفتح لها المجال ، فالمسجد من المفترض أن لا
يقوم فقط على رجل واحد هو الامام ، اذا افترضناه مؤسسة فلا بد من فريق عمل
يقوم على هذه المؤسسة ، والمسجد بدوره الاجتماعي والثقافي والتربوي لا
يقتصر على المواعظ فحسب وانما هي لجان وادوار متعددة في هذا الميدان الخصب ،
وما أكثر المتطوعين لو فتح المجال .
والنتيجة على اقتصار المسجد
غالبا على الامام غير المؤهل فقط هو هدم المسجد من حياة الناس ولم يبق الا
بنيانه الحجري شامخا ، عمارة المسجد فقط أصبحت جسدا بلا روح ولم يعد هناك
فرق في النتيجة بين الذهاب للمقهى او الذهاب للمسجد بل بالعكس قد تجد في
المقهى من النقاشات والحراكات الفكرية والسياسية ما يسد الرمق وقد تجد
مساحة من الحرية لا تجد مقابلها في المسجد الا مساحة من الاستبداد والقمع،
والويل لمن يعترض على الامام الناطق باسم من وظّفه وقرر له راتبا يبقيه على
قيد الحياة دون ان يكون قادرا على التنفس فوق مياههم الاسنة . وهنا انا لا
أعمم ولا أسيء الى أئمة المساجد بل أريد لهم ظروفا أفضل ومساحة من الحرية
اوسع تتيح لهم القيام بدورهم خير قيام . بل أنه رغم كل الظروف القاسية
التي وضعوا فيها ولا يحسدوا عليها هناك استثناءات اخترقت هذا الحصار وأبدعت
بدور مميز لا يشق له غبار .. ولكنهم للاسف قلة قليلة .
لماذا يرتعبون
من المساجد ؟ ومن الذي صنع فوبيا مساجد ؟ ومن المستفيد فيما لو فُعلت
المساجد بشكل أفضل ؟ بين الخسارة والربح ، من يخسر ومن يربح وماذا يخسر
المجتمع وماذا يربح ؟ وكيف نعيد للمسجد دوره وعزّه ؟ وعلى عاتق من ؟

حاولت شرح ما آلت اليه مساجدنا وكيف تم تقزيم دورها بعد أن كان دورها عظيما
في سابق عهدها ، خاصة في التعبئة العامة للناس والتي كانت تسهم ايجابيا في
مواجهة السياسات الاستعمارية .
أعتقد أن الذين يرتعبون من المساجد
هم الذين أدركوا ان للدين دورا عظيما في صناعة الثورة ، هم أنفسهم وزراء
الداخلية العرب الذين اجتمعوا مع وزير داخلية الاحتلال برعاية أمريكية على
ما سموه تجفيف ينابيع "الارهاب " بعد أن اعتبروا "الارهاب" من منتجات
الاسلام والمساجد ، وهذا ما تم الاعلان عنه في تسعينات القرن الماضي، وما
خفي أعظم ، كان المسجد مستهدف لأنه ينتج ما يواجه طغيانهم وهيمنتهم على
بلاد العرب ، لأنه ينتج الثقافة الثورية وهم يريدون لشعوبنا ثقافة الهزيمة
والخنوع وقابلية الاستعمار والاستحمار وأن تكون دولنا بحكوماتها وشعوبها
وثرواتها ومقدراتها ملك يمينهم يفعلون بها ما يشاءون .
ومما لا شك فيه
أن أن الخاسر اذا قامت المساجد بدورها خير قيام هي السياسات الاستعمارية ،
وأن شعوبنا هي الرابح الاكبر ، سيرتفع المسجد بدوره الفعال بمنظومة القيم ،
سيدرك الناس معنى الحرية وأهميتها في حياتهم ، سيشعر انسان المساجد بوزنه
وأنه كائن يحمل كرامة وعزة وأنه يحمل رسالة عظيمة للناس وأن له دورا
ايجابيا هاما في مجتمعه ، سيدرك أن من لا يهتم بامر المسلمين فليس منهم فلا
يترك السياسة والساسة تجري دون ان يكون له علاقة بها ، بل هو محورها
الاساس وأن رأيه يؤثر في صياغة السياسة العامة في البلد تماما بل وأكثر من
انسان الدول الديمقراطية . وكذلك فان المسجد يضخ في روع الناس رزمة من
الاخلاق العامة التي ترتقي به اجتماعيا وبالتالي انخفاض مستوى الجريمة وهتك
النسيج الاجتماعي الذي تحكم رسالة المسجد نسجه بكل قوة ومتانة .

والان يبقى السؤال الاخير كيف ومن ؟ تبدأ المسئولية ممن يرسمون السياسات
ويخططون ولا تنتهي بالامام بل بكل من يرتاد المسجد ، واذا أفلست السياسات
العامة أوكان دورها سلبيا فان الامام الناجح يستطيع ان يرتقي بمسجده اذا
امتلك ادارة ناجحة ما استطاع لذلك سبيلا ، اذا مدّ جسور التعاون مع
الكفاءات الموجودة وشجعها على التعاون وتقديم ما لديها للناس فإنه يستطيع
ان يقيم مؤسسة ثقافية اجتماعية ناجحة . والفشل كل الفشل أن يلقي فشله على
فشل غيره ولا يحرك ساكنا بل ويبرر الحالة الموجودة ، إذ ليس المبدع الذي
يبدع عندما تتوفر ظروف وعوامل الابداع بل عند فقدانها وعندما ينجح في انبات
زرعه في الارض الصخرية القاسية . ودائما هناك خطة ب عندما لا ننجح في
تنفيذ خطة ا . ليس المطلوب أن يقيم في المسجد ثورة أو دولة هكذا دفعة واحدة
كما يريد المتحمسون ، هناك من يريد اقناع الناس بالخلافة الاسلامية في
خطبة جمعة واحدة ، البناء التربوي وبناء منظومة القيم تحتاج الى خطة طويلة
الامد وعمل تراكمي طويل بنفس قوي صادق وارادة قوية وعزيمة نبيلة ، المثابرة
والتدرج ومواصلة تعليم قيم الاسلام لكل الفئات العمرية ببرامج متواصلة
تثمر كثيرا . اعتقد أن حادي مسيرة المسجد هو الامام بالدرجة الاولى ثم كل
من تطؤ قدمه المسجد لانه كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .














أحدث أقدم