العصا المكهربة..مدونة الاديب وليد الهودلي









عاد الشريط
مسرعاً منذ اللحظة التي فيها قرّر أن يُصارح .. صراحته جرَّت عليه هذا الوبال الذي
جعله مضرّجاً بآلامه .. يحاول فتح عينيه ليعود من حالة الغيبوبة علّه يبصر بعضاً
مما جرى له .. لم يتركو خلية من جسده إلا وأشبعوها ضرباً  بالعصي والركل واللكم الذي يخترق الجلد واللحم
وينخر العظام .. وكان أشدها إيلاماً الصفعات الكهربائية التي كانت  تنتشر في الجسم انتشار النار في البنزين..
الوجه تغيرَّت معالمه وصار مسرحاً لكل من لا يتقن الوقوف على خشبته ، تكسّرت
الأسنان ، وفتحت الأخاديد في الخدين والجبين.. الناظر إليه يظن ان مجموعة من
الذئاب تناوشته وشرتحت معالمه..  بقايا
دماغه يمر عليها مسلسل الأحداث  " ما
الذي دفعني لهذه المصارعة اللعينة .. ذاك الضابط الحقير الذي ابتزني وجندني لصالحه
.. منعني من السفر عندما لم يتبق لي سوى فصل للتخرج .. وافقته وأنا أضمر خداعه ..
كنت ساذجاً بما فيه الكفاية .. جاء بي إلى السجن وطلب مني إثبات صدق نيَّتي بتقديم
بعض الخدمات .. أدركت مخطط التوريط المعهود .. قرّرت الانسحاب من هذه اللعبة
القذرة .. أثبت صدق نيّتي وصارحت رفاقي .. لم يصدَّقوني  وطلبوا مني كامل التفاصيل .. أقسمت لهم بأن هذا
كل ما لدي .. لم يصدقوني أنزلوني ساحة تعذيبهم .. لم أتـصور في حياتي أن بشراً
يعذبون  بهذه الطريقة .. كان لا بد من
إثبات براءتي ،لكن كيف؟! .. هداني تفكيري الجهنمي إلى ما فعلته بالأمس .. ما الذي
جنيته على نفسك يا رفيق ؟! ..  أطلقت
صاروخاً على ذبابة - لم أحسب العواقب  ..
أكنت تتوقع أن تطعن شرطياً ثم يدللوِّك ؟! حتى لو كنت جاسوساً ، فلن يرحموك .. أهذا
الذي فعلته يعدّ خطئاً .. وهل العصا الرفيعة المدبَّبة هي سيفاً أم خنجراً .. إنها
طريقة غبية لإثبات براءتي من
عمالتهم .. إنهم يدركون هذا ولكنها فرحتهم لتربية
السجن وردعه بل .. لقد مكنتهم كما قتل هذه من التعليم على أسرى النقب كافَّة ...


ثم ما ذنب من
كانوا معك .. ستة من الأسرى تنتظرهم أمهاتهم بعد أن قطعت مئات الكيلومترات لتصل
عمق صحراء النقب حيث تموت الذي يرمي بشرره ولهيبه .. كانت الأمهات ينتظرن على
بوابة جهنم النقب رؤية فلذات أكبادهن وبريق العيون الذي يبَرد لهيب القلوب .. عدن
الأمهات على وقع أخبار قمع السجّان لأبنائهن .. بعد انتشار الجند .. لا بد وأنهن
الآن يتقلبن على جمر العذاب وكل أشكال القهر والترقب المسئ لسماع أخبار مريعة
تتهاوى أمامها أرواحهن كما تتقصف الأشجار أما الأعاصير العاتية .. أما العصي التي
عزفت على عظامك فقد كانت هينة لينة أمام تلك العصا الكهربائية التي كانت تتركني
أخرج كل ما في صدري من روح .. وكأن رئتي تُلفظ قطعة من بين أسناني .. أغيب وتدور
الوجوه الغاشمة من حولي ثم ما ألبت وأن يستحضروا روحي من جديد .. ليتنب متّ بين
أيديهم ولكني لا أستحق الشهادة . ما ذنب من كانوا معي ؟! ستة خرجوا معي من القسم
.. يا غافل لك الله .. كانوا بوجوه مستبشرة .. يلبس كل منهم أجمل ما لديه ، جباه
لامعة تقلوها كسوة الرأس وقد مسَّ من الزيت والطيب ما جعلها تكاد تشرق وتضيء ..
القلوب تترنم وتستعد لرؤية الأحبّة .. وأنت يا وسيم ... " وسيم الصدر "
ابن أم الشهيد الصامدة المثابرة .. جاءته من مخيم عسكر .. من حيث قهر اللجوء وأسن
عيش الكفاف جاءت لتقهر الصحراء وتمخر عبابها .. منعوها من الزيارة ثلاث سنوات حتى
إذا ظفرت بها بعد صراع طويل على أعتاب الصليب الأحمر كان هذا الخبر العاجل ..


كان الفاصل
الإعلامي بينها وبين ولدها مسافة أمتار وعدة دقائق .. وكانت الأمور تجري على قدم
وساق ليتم هذا اللقاء بين روحين لكل روح قلب عاشق وعينين تستعدان للإرسال
والاستقبال .. ما الذي فعلته أيها الرفيق لتقطع هذا الطريق ؟! لا .. بإمكانهم فصلي
عنهم .. لماذا عاقبوهم معي ؟! أنا الذي طعنت .. هم وقفوا مذهولين .. لم يشاركوا ..
لم يدافعوا عني عندما هجموا علّي كالكلاب المسعورة .. يعلمون أن الحرب التي فتحتها
عليهم غير متكافئة فآثروا الحياد .. إذا قررت أنا الخسارة بهذا الشكل المجنون
فلماذا يخسروا معي لادوا جانباً وأعلنوا أنه لا علم لهم بالأمر .. أثبتوا ذلك
عملياً بعدم مشاركتي .. جاءوهم بعد أن أفرغوا كل أحقادهم في جسدي .. كبلوهم
بالأيدي والأرجل ثم فعلوا بهم ما فعلوا بي .. كان توقعي في غير محله .. نسيت أيها
الغبي أنهم احتلال .. تماماً كما نسيت أو تناسيت عندما عقدت الصفقة مع ذلك الضابط
.. واخترت الشهادة والعمالة .. نعم لم يُغم عليّ في الوجبة الأولى ، أبقوا لدي رمق
كمن لا يجيد ذبح ذبيحته فيبقيها تتأرجح بين العذاب والعذاب دون أ، تلفظ أنفاسها ..
جاء مدير السجن .. قال وسيم بعبرية واضحة ..


_ نحن لا دخل
لنا _ لا نعلم بالأمر .. لم نشارك ، ونرفض ما جرى .. قال مدير السجن وعيناه تقدح
بشرور الأولين والآخرين وكأنه نافخ الكيد ..


_ أنتم
شركاؤه _ ردّ وسيم بهدوء _


_ لو منا
شركاؤه لحملنا أدوات طعن مثله _


صرخ المدير
وهو يحاول الزأر وتقليد الأسد عند الظفر بفريسته .. بعد أ، أحكموا قيدهم ..


_ مجرمين ،
كلاب سفلة ، اشربوا من دمهم .. اشفوا غليلي من هؤلاء الأوغاد .. هيا .. ساوهم
بصاحبهم ..


وهجم
الزبانية يضربون بعصيهم ويركلون ببساطيرهم العسكريّة .. وعندما استحكمت العي
المكهربة في ظهورهم وانتشر ضجيج آلامها في أجسادهم .. خرج الزبد من أفواههم ورأيت
حالهم حيث صارت حالي أيقنت كم جنيت عليهم وأصابني من الشعور بالمهانة من الإحباط
ما زاد عن آلام الجسد .. كنت أنوي تطهير روحي  مضرباً نفسي أمام هجمات الألم
ولكني عندما رأيت أني أصبحت سبباً لكل هذه الآلام الفظيعة لغيري انهارت بقايا
معنوياتي وصرت حائر الروح كما هو حال الجسد ..


رأيت مديرهم
وهو يضرب بنعليه الحديدي أسفل ظهر وسيم .. بكل وضوح كما يريد ترك عاهة مستديمة ..
ورأيت ضابطاً يطعن بقلمه أنحاء متعددة من الأجساد الملقاة تحت قدميه .. غبت عن
وعيي عندما رأيت قلم هذا المجرم يخترق عين أحد الضحايا فتنطلق الدماء غزيرة فيها
لتصبغ الوجه وتخليه أحمر قانياً ..


وكانت تفصلني
عنهم نوبات من الغيبوبة عندما كان يأتي فوج جديد من الشرطة فيمارسون أحقادهم فينا
.. تلتقط عيناي صورة الشباب وهم يتجرعون الهوى والعذاب ثم ما ألبث وأن أتلقى وجبة
جديدة فيغيب المشهد عني .. سحبونا جراً إلى حيث الزنازين .. كل إثنين في زنزانة
عداي حيث أفردوا لي واحدة ليبالغوا في كرم الضيافة .. ومن هناك انقطعت عنهم وأصبحت
معزولاً لا أرى أحد ولا يراني أحد سوى أني أرى آلامي والزبانية التي كلما خَبت نار
قهري زادوها ناراً ..


تشكلت لجنة
تحقيق لعمل ملفات إدانة قضائية للشبان الستة اللذين وقع عليهم العذاب الجماعي ..
باءت كل محاولات إثبات مشاركتهم في التخطيط أو التنفيذ بالفشل .. أغلق المحضر
للشباب بينما بقي محضر الرفيق مفتوحاً ليواجه صعيد زيادة الحكم والعزل لإنفرادي
لفترة طويلة لا يعلمها إلا الله ..


_ سنعيدكم
للقسم _ أي تفكير برفع شكوى نحن جاهزين لعمل ملف متكامل ، فيه إثبات وشهود من
الشرطة على أنكم شركاء في عملية الطعن ..


_ ولكنا لسنا
شركاء .. " رد وسيم "


_ لستم شركاء
الآن ولكن إن توجهتم للقضاء فأنتم خير من شارك ..


مفهوم .. يا
الله .. انصراف ..


عاد الستة
إلى القسم بعد أن ذهبت الزيارة وكل آمالها أدراج الرياح .. وعادت الأمهات والزوجات
والأبناء بما يحملن من أخبار تزلزل الأركان وتخلخل الركب من مفاصلها وكأنهنّ في
موكب جنائزي وقد خطفت الجنازة من بين أيديهن .. عدن بلا قلوبهن حيث بقيت هناك
ترفرف في صحراء النقب وتلهج بالدعاء إلى رب السماوات أن يرحم تبلك الآبار ومضينا
خلف الجدران بما يسمى سجن النقب .


تفاجأ وسيم
ومن معه  بأن القسم خالي من سكانه وقد خرّ الخيام على الأرض صريعة دون حراك
.. واضح أن القسم قد تعرض إلى عملية دهم قلب الحابل والنابل وتركتها قاعاً صفصفاً
.. أين ذهب الأسرى من القسم ؟!


بعد عدّة
ساعات جاء الخبر مع عودة طلائعهم وقد أثخنتها الجراح لتشمل القسم .


طلبوا من
سكان القسم البالغ مائة وعشرين الخروج عشرة عشرة .. يخضعونهم لتكبيل الأيدي
والأرجل بداية ( وهم بالطبع لا يعلمون ما هي الحكاية ؟ ) ثم عندما تكدّس العدد
كاملاً جاءتهم الزبانية .. الأسرى مكبلون غير قادرين على الحركة أو الدفاع عن
أنفسهم بينما الفريق الآخر مدججً بكل أدوات القمع .. وصيف الصحراء يتميَّز من
الغيظ ويرمي بأنفاسه الملتهبة كل من يدبّ على الأرض ..


بدأت ساعة
الصفر وهجم فريق الذئاب والضباع على فريق البشر المصفَّد بالحديد والأغلال ..
العصي ذات الكهرباء المتحركة والساكنة ، النعيق والصراخ وكل أشكال السب وفحش
الكلام .. بعض الشباب وتحت وقع الألم اللاذع كانوا يردون على المسبات بمسبات مثلها
.. لم يُجد الصراخ شيئاً .. وصلت عصّيهم وضربت كل ما يمكن أن تطاله أحقادهم ..
الأسرى يضربون دون أن يعلموا لماذا كل هذا الجنون ؟ لم يرتكبوا أي شئ من شأنه أن
يستدعي كل هذا الإجرام ؟ سأل بعضهم فكانت العصي هي التي تجيب .. وعندما وقفوا أما
هذا الجدار المنيع من القهر والبطش دون أي إجابة انطلقت حناجرهم بشكل عفوي
بالتكبير .. مائة وعشرين أسيراً بأعلى صوتهم : الله أكبر .. الكلمة التي يعرفها
الصهاينة جيداً .. كلمة الثورة والغضب وتفجير الظلم وزلزلة أركانه .. سمعت الأقسام
من بعد التكبير فأيقنت أن أمراً جللاً يحدث في إحدى الأقسام فانطلقت الحناجر من
الأقسام بالتكبير  .. ثلاثة آلاف أسير قد قسِّموا إلى ما يزيد عن عشرين قسماً
في أجنحة سجن النقب كلها بدأت تكبر وبدى للسجّان أن الأرض أخذت تمور موراً من تحت
أقدامه .. توجَسوا خيفة .. أمر مديرهم فريق الضباع الجبانة بالتراجع عن فريستهم
المكبّلة .. أعادوهم لفسمهم كما أخرجوهم عشرة عشرة ..


اكتمل نصاب
القسم حيث عاد ساكنوه .. وكانوا جميعاً ومع أنقاض الخيام والأثاث المبثوث كالعصف
المأكول .. كست الوجوه المذلة والهوان وتقطعت قسماتها غيظاً ولاذوا في وادٍ سحيق
من الصمت الذي خلا من الكرامة والروح الإنسانية الحّرة .. شعروا بالمهانة حتى
النخاع خاصة عندما تناهت إلى مسامعهم الأسباب التي وقفت خلف كل هذا القمع ..


هجع القسم
ليلاً دون أي حراك من عمق الألم والغيظ والضنك .. تحرّكوا مع آذان الجر للوضوء
والصلاة فوجدوا المياه مقطوعة .. صلّوا تيمّماً ثم ما لبثوا وأن جاءهم غراب ينعق
.. وقف حيث مربعهم الأمني الفال بين الباب الخارج وباب القسم .. نادى على قائمة من
الأسماء بلغت ستين أسيراً ليكونوا جاهزين للنقل بعد خمس دقائق .. إذن هذه هي
الخطوة التالية في القمع .. تماماً كنكبة ثماني وأربعين .. بعد المعركة والتدمير
تأتي عملية التهجير والشتات ..


لم يبقوا
شيئاً من الأدوات التي تجعل الحياة صالحة للحياة .. أدوات الطهي سُحبت من المطبخ
وكل الأدوات الكهربائية .. الكتب بعثرت وصور الذكريات أهينت .. مواد الكنتين سحبت
والملابس خُربشت .. ومن المضحك أنهم أتوا بالطعام دون طهي بعد أن سحبوا أدواته ..
الباذنجان والبطاطا والبصل والفول وكل حتى تشبع ..


في الأيام
التالية توالت النقليات وتعدّدت التفتيشات حيث الدهم مع العربدة والتحقير والويل
لمن يبدو عليه أية علامة من علامات الغضب أو التفكير بالردّ ، وكانت السياسة واضحة
أنها تحت عنوان : اجعلوهم عبرة لمن لم يعتبر أو لا يعتبر .


بقي في القسم
أربعة عشر حيث اجتمعوا وقرروا الموت .. إذ قال أحدهم : ما فضل العيش دون كرامة
وبكل هذه المهانة .. تحرّك من كان أنشط القسم وخادمه سابقاً وقبل أن يدمّر .. طلب
الإدارة .. بعد عدة ساعات جاءه ضابط ينظر باستعلاء ويتكلم من مناخيره ..


-        
ماذا
تريدون .. ما زلتم أحياء ؟!


-        
باختصار
، نحن بكلمة واحدة نريد أن نموت ؟ أطلب من هذا الشرطي المسلح أن يطلق النار ..


-        
لو
كان الأمر بيدي لفعلت دون ترددّ .. ولماذا أتردٌّد .. أنتم تستحقون الموت منذ زمن
بعيد ..


-        
ألم
تتأكدوا بأن لا علاقة لنا بالمشكلة ؟! لماذا كل هذا العذاب ؟


-        
تيد
أن تعرف لماذا ؟! أنا لا يهمني سوى الأمن ؟ لماذا نضع الحواجز ونمنع الناس من
التنقل بسهولة بالمدن الفلسطينية ؟! لماذا تلد الحوامل على الحاجز ؟! لماذا نمنع
التجول على آلاف السكان ؟! آلا تعرف : إنه الأمن .. صحيح فيه تضيق على الناس ولكنه
وقاية لشعبنا من عملياتكم الإرهابية .. ألم تسمع درهم وقاية خير من قنطار علاج ..
قناطير من العلاج عندنا لا تساوي قطرة دم يهودي ... نحن على استعداد لمنع التجول
في العالم العربي كله من أجل منع لحظة ألم لأي مواطن من مواطنينا  ...


-        
وآلامنا
نحن ؟!


-        
لا
حساب لها في أمتنا .. أتدرك هذا ؟!


-        
نحن
في هذا القسم ماذا فعلنا لكم ..


-        
أنتم
؟! هذا نصيبكم أن يخرج فدائي من عندكم ؟ أنتم القصة والعبرة التي ستصبح على كل
لسان وبالتالي نمنع تكرار هذا الإجرام .


-        
إذن
أكملوا القصة حتى النهاية ... نريد أن نموت ... أطلقوا علينا النار ...


-        
لا
.. ليس بعد ...


-        
بعد 
أربعة عشر يوماً من العيش تحت الأنقاض وبعد أن أصبحنا قطعاً من الخردة البشرية في
مهب رياح سموم النقب ... مع بداية صيف ملتهب وعندما أعلن حزيران حميانه وطيسه بعث
المدير إلى الذي كان يوماً دليلاً سياحيا ًلهذا القسم ...


ذهب وسيم بعد أن هرب منه
وسامته .. تدافع كيسه الجلدي بما فيه من عظام تقرقع ورأس ينتصب أعلاها ... وجد
المدير بوجهه البدين وكرشه المتطاول والمزاحم للطاولة المديدة التي تجلس منبطحة
أمامه ...ابتسم ذئب مفترس قد انتهى للتو من التهام فرنسية .. قال والخبث يقطر من
حروف كلماته...


-        
مبروك
يا وسيم .. انتهت أيام العقاب ...سنعيد لكم كل شيء...


عليكم أولاً إعادة بناء
الخيام ... سأزودكم بكل المستلزمات ... وأعيدوها إلى سابق عهدها .. سيأتوكم بعد
ثلاثة أيام ضيوف جدد من السجون ...


-        
أعندك
طلبات أخرى .. وفرَّت عليك الكلام صحيح ...


-        
البلاطات
الكهربائية ، التلفاز ، المراوح ...


-        
حسناً
... بعد انتهاء من البناء سيأتيكم كل شيء .. ألم أقل لك أن العقاب قد انتهى ..


-        
مضت
ثلاثة أيام والأربعة عشر بقيادة وسيم يعملون ليل نهار ... صبيحة اليوم الثالث لا
يصدق أحد أن الأنقاض والهياكل الخشبية والأقمشة الممزقة قد عادت إلى سابق عهدها ..
ست خيام مرتبة و مهندسة على أفضل وجه ... وقفت بكبرياء وتم تزيينها من الداخل
وتنجيد سقفها وترتيب أفنيتها ... أصبحت كفيلا مترامية الأطراف تتوسطها ساحة نظيفة
.. كان وسيم ومعه فريقا ً متكاملاً يعمل بصمت ويعيد للبوصلة توازنها ... إرادة
الحياة والعيش بكرامة حرَرت طاقات جبارة صنعت من المستحيل سكناً صالحاً للحياة بل
جميلاً وفيه من المناظر التي تريح البصر وتمتع الفؤاد ...


صبيحة اليوم الرابع وبعد
أن تنفس الأربعة عشر مهندساً الصعداء لانتهاء العمل جاءهم الخبر ... وقف غرابهم
ينعق ...أنتم حضروا أنفسكم ... منقولين إلى سجن شطة ... من أقصى الجنوب إلى أقصى
الشمال ...


كانت صدمة ساحقة ... صرخ
وسيم ...هذا مرفوض ...لن ننتقل إلا إذا كان ذلك على جثثنا


أين ذهبت وعود المدير ؟!


انتهت الخمس دقائق ...
دخلت قوات البوسطة مدججة بأسلحتها وأحقادها ... تبادلت عيون الأربعة عشر الرسائل
بسرعة ... أنهم يبحثون عن فرصة لإشباع ساديتهم  ... لا تعطوهم هذه الفرصة
...قال وسيم ..: نحن جاهزون للنقل هذا سجن لا يؤسف عليه ... هيا بنا يا شباب ...


وأسدل الستار عن نهاية
مأساوية لقاطني هذا القسم كي تبدأ لكل منهم قصة جديدة في السجن الذي نقا إليه لأن
كل منهم يحمل ملفه تقريراً يشي بأنه مشاغب ... الكائنات المتوحشة في السجون
المستقبلة تجيد ترجمة هذه التقارير بصورة جيدة ... بداية الطريق وجبة استقبال شهية
لهذه الكائنات السادية التي تنتظر فرصتها للتعبير عن مواهبها المفضلة .





Plus récente Plus ancienne