التقارب التركي الايراني
ما جرى من لقاء ايراني تركي وعلى أعلى مستوى لتاكيد التعاون وتوسيع حجم
التبادل التجاري وفي مجال التعاون على تحقيق أمن المنطقة ، من الواضح جدا
لكل مراقب أن تركيا وايران تمتلكان قرارا سياديا مستقلا ، ولولا ذلك لما
تمكنتا من الوصول الى مثل هذا الاتفاق ، فمثل هذا الاتفاق حتما لا يرضي
أمريكا التي تخوض حرب مقاطعة وحصار على ايران فلو أن أمريكا تتخذ قرارها
مثل الدول العربية التي تدور في الفلك الامريكي لما أقدمت على مثل هذا
القرار ، لنقل أن هناك هامش سيادي واسع ان
لم يكن مطلق السيادة السياسية لسيد القرار التركي وهذا يحسب للقيادة في
تركيا ، والتي بهذا تمتاز على ما اعتدنا عليه من قيادات عربية لا تمتلك
أدنى الهوامش لتتحرك في مجال تحقيق مصالح بلدانها . فأن تجتمع دولتان
وازنتان بهذا الحجم وفي هذا الظرف الذي يمتاز بهجمة أمريكية غير مسبوقة
بقيادة ترامب الذي لم يترك أحدا من شره حتى اوروبا الحليف الاستراتيجي له
يبتزها بطريقة مهينة ، بالفعل كانت خطوة قوية وجريئة وحرة وان دلت فانها
تدل على ان للدول قدرة على تحقيق مصالح شعوبها بشرط ان تتحرك قيادة هذه
الدول لتحقيق هذه المصالح بروح مستقلة بعيدا عن رجس التبعية والموالاة بغير
حساب .
ولنا ان نرى الفرق الهائل في ضبط ايقاع العلاقة مع امريكا من
خلال تصرف ايران وتركيا ، وتصرف دول المحور الامريكي العربية ، فمثلا عندما
تدفع احدى الدول لامريكا ثمن حمياتها 480 مليار دولار ، وحتى في مؤتمر
صحفي مشترك بين ترامب وولي العهد يتحدث ترامب لشعبه دون ان يرى ضيفه او
يريه لشعبه الا أنه بقرة حلوب ، فيتحدث عن حجم الاستفادة الامريكية وما
يعكس ذلك على اقتصاد بلاده ولا يذكر ( مجرد ذكر) أن هذا يحقق مصالح البلدين
.
هذه العلاقة التركية الايرانية تخرج من دائرة التفكير العربي
الرسمي ، التفكير العربي منذ عقود يهرب من تبعية الى تبعية ويحصر نفسه بين
خيارات صعبة لا يصنعها بنفسه ، فإما أن يختار بين ان تكون "اسرائيل" عدوة
أو ايران ، يصنعون له عدوا ليبرر تطبيعه وهرولته الى "اسرائيل" ، هذه ثقافة
الذيل التي لا تعرف ان تكون رأسا أو ندّا ، والسبب معروف وواضح أنها تعتمد
على أمريكا ولا تعتمد على نفسها في كل شيء من التجارة والسياسة الى
العسكرية والتسليح ، هذا الاعتماد الكامل والذي يراهن على رأفة الامريكي
بنا وأنه الصديق الوفي ، وكذلك حسابات عروشهم التي لا تستقر دقيقة حالة
اتخاذ قرار سيادي فهي كمحاولة تحقيق الذات لعبد بعيدا عن سيده .
هذا
النموذج في العلاقة بين الدول هو الفيصل في تحقيق المصالح المشتركة بعيدا
عن التبعية ، فالعرب ليس امامهم الا هذا البديل عن تبعيتهم ، فلا يقول لنا
أحد هاربا من واقعه الاسود أن هذه الدولة فوقها وتحتها وكأن العلاقة بين
الدول محصورة في خيارين إما العداء او التبعية ..
وينسحب هذا ايضا على
العلاقة القائمة بين حركة المقاومة حماس وايران فلا يستغربن احد من الذين
لا يفكرون الا بالبعد الطائفي بعيدا عن التفكير السياسي ان يحدث هذا
التعاون لان السياسة رؤية المصالح العامة للطرفين والعمل على ما يحققها .
فالمسالة بعيدة عن الخيارين اللذين يصرّ البعض ان يحصر تفكيره فيها .. اما
ان اكون مع بالكامل او ضد بالكامل ..
هناك خيار ثالث وهو #التحالفات_القائمة_على_التوازنات_السياسية_والاقتصادية ، ولكن الدول والسياسات غير المستقلة لا تستطيع عمل هذا ..
التسميات :
مقالات