باتت المنطقة على بركان ثائر توشك صراعاته
الداخلية ان لا تبقي ولا تذر وتقضي على مستقبلنا مئات السنين ، والسؤال : لماذا
نحن العرب والمسلمين وعلى أسرع ما يكون نسخن حروبنا وعلى أعلى درجات التسخين دون
أن نفكر بأن هناك ما يسمى الحرب الباردة ؟ ولا نفكر طويلا بمآلات حروبنا المأساوية
الانسانية منها بالقتل والدماروالانحدار الاخلاقي والقيمي ثم حياتنا الاقتصادية
والاجتماعية ورضانا بالبقاء في ذيل التخلف الحضاري بالرجوع الى عصور التخلف
والدمار ..
الحرب الباردة مصطلح سياسي راج لتوصيف العلاقة
بين أمريكا وحلف الاطلسي مع الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو .. كان بالامكان لو فلت
العقل من عقاله ان يفني كل منهما الاخر وكان ما لديهما من قدرات عسكرية نووية
وتقليدية ان تفجر العالم كله عدة مرات .. لم يستسلم طرف للاخر ولم يلجأ أحدهم
لافناء الاخر والاعلان عن عاصفة الحزم وعليهم يا رجال .. لم يكن ذلك كنتيجة لنقصان
النخوة أو شجاعة الشجعان .. وإنما كان ذلك ادراكا منها بمصير شعوبها وما ستسببه
مثل هذه النخوات والعنتريات التي لا مكان لها في قاموسهم وكذلك خضوعهم لموازين
القوى التي كان لكل طرف ان يُدخل الطرف الاخر بحسابات الربح والخسارة وان الخسارة
ان حصلت فستكون على الجميع وكان ايضا لعلاقة الحاكم بالمحكوم وان للشعب الذي سيدفع
الثمن ان حلت الكارثة ان يكون له دوره في التأثير على صناعة قرار الحرب او السلم
.. ( وهذه للاسف لا تتوفر عندنا اذا كانت الحرب في الداخل العربي والاسلامي ولا
يخشى الحاكم محاسبة شعبه بعد الدمار الذي سيلحقه بهم نتيجة مغامراته غير المحسوبة
سيخرج الاعلام التمجيدي بالقول لم يكن بالامكان افضل مما كان وسيشيد بالقرارات
الحكيمة والرشيدة وسيصفق الجمهور الذي يصفق دائما وسنقول باننا خرجنا اقوى مما كنا
وسيبقى الحاكم حاكما انهزم او انتصر والمحكوم محكوما لا يملك الا التسليم بقدره مع
هذا الابتلاء خاصة بعد مرور ما سمي بالربيع العربي بامن وسلام لهؤلاء الحكام
والزمرة المستفيدة من حكمهم ) ..
وعلى أشدها توظف مسرحية سنة وشيعة ..
مسرحية تغيب قليلا ثم يعاد اخراجها من جديد كلما دعت الحاجة لإثارة ما في الصدور
.. وعندما تخوف العرب بعد الثورة على الرجل الامريكي الاول في المنطقة " شاه
ايران" وبعد أن تبدل الحكم هناك بثورة يمكن تصديرها للدول القريبة التي تخشى
أي نسيم للثورة قد يدغدغ عواطف شعوبها النائمة والمسترخية كان لا بد من اخراج
المسرحية هؤلاء شيعة ونحن سنة .. وعندما تحركت حركات من مرجعيات اسلامية منها
لمقاومة الاحتلال ومنها لتغيير الاوضاع كان لا بد من اتهامها بانها موالية للشيعة
وبالتالي اخراج القصة من جديد واسقاطها على هذه الحركات ..
خذوا هذه النظرة المتفائلة بداية ولكم أن لا
تصدقوني : ايران الثورة تختلف كليا عن ايران الشاه .. الاخيرة استبدلت السفارة
الاسرائيلية في طهران بالسفارة الفلسطينية والاخيرة دعمت القضية الفلسطينية سياسيا
ومعنويا وماديا خاصة الحركات السياسية .. ايران الاخيرة لم تعترف باسرائيل وأكدت
ذلك مرارا وتكرارا رغم ان كثير منا يعترف ويقيم علاقات وطيدة تجارية وسياسية
وأمنية وغير ذلك .. ايران تبدي استعدادها الدائم للوقوف مع العرب وحركات المقاومة
في مواجهة العدوان الاسرائيلي قولا وفعلا وثبت هذا في عدة حروب شنتها اسرائيل على
الفلسطينين والعرب . اذا هي عمق أمني للعرب ولم لا تكون كذلك ودولة الاحتلال تسابق
في عمقها الغربي والافريقي والاسيوي وكل من تطالها يدها السياسية والدبلوماسية
وعلاقاتها الخارجية . لم لا وقد كانت عمقا لدولة الاحتلال ايام الشاه .. تم اخراج
حليفهم الاستراتيجي والشرطي الامريكي في المنطقة " شاه ايران " وقطع
الاحتلال من عمقه هناك .. لم لا تكون عمقا لنا والحكام الجدد لايران يودون ذلك سرا
وعلانية .. وقد أثبتت ذلك بدعمها لحركات المقاومة لهذا الاحتلال دعما سياسيا
وعسكريا ودفعت اثمان باهظة عالميا كنتيجة لهذا الدعم.
وكذلك فان هناك تاريخيا محورا أمريكيا في
المنطقة سمي بدول الاعتدال وهذه تتناغم كليا مع السياسة الامريكية وهي ولا تحيد
عنها قيد أنملة واذا كان هناك هامشا للاستهلاك المحلي من التصريحات والزينة
الاعلامية وتلميع زعامة هذه البلدان فقد انتهى هذا العهد بعد احداث الحادي عشر من
سبتمبر وبعد خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش الذي قال فيه من ليس معنا فهو ضدنا
واصبح لزاما على هذه الدول ان تعلن مع امريكا حربها على الارهاب بالمفهوم الامريكي
للارهاب . هذا المحور الامريكي كان مقابله محور الممانعة والذي وقف مع المقاومة
اللبنانية والفلسطينية .. والذي مثلته من الدول سوريا وايران في المنطقة وسمته
امريكا بالاضافة الى كوريا الشمالية بمحور الشر .. وقد نجح عمليا هذا المحور بدحر
الاحتلال من لبنان ووضع حد للاحتلال من ابتلاع عزة وخلق حالة من توازن الردع على
الحدود الشمالية والجنوبية لكيان الاحتلال الاسرائيلي . لذلك فاننا في تقييمنا
للامور لا يمكن نسيان هذه التقسيمة من تفكيرنا السياسي ..
... لاحظوا اني قلت حسب النظرة المتفائلة !!
ومقابل هذه النظرة المتفائلة ( السياسية )
لنذهب الى النظرة الثانية والتي عماد قولها : ان هناك فسطاطين واحد سني والثاني
شيعي وقد وجدت الدول التي تمثل السنة نفسها أنها أمام خطر التمدد الشيعي خاصة بعد
تدخلات ايران الاخيرة في سوريا وتدخلها الاسبق في العراق ثم هذا التدخل السافر في
اليمن من خلال دعم جماعة الحوثيين على أساس طائفي شيعي وهذا يؤدي الى تقويض دعائم الانظمة
السنية التي تقودها السعودية حيث انها وضعت كل ثقلها في سوريا ولم تفلح بحسم
الصراع هناك لصالحها ..
وهذا الافتراض نسي او تناسى القسمة الاولى
للمنطقة وتعامل مع المنطقة وكأن أمريكا وربيبتها غير موجودة او انها وفق الاولويات
تقل خطرا عن المد الشيعي وهي من واقع علاقتها بالفعل ترى انها قد تعايشت مع امريكا
وربيبتها في المنطقة وقبلت بالامر الواقع منذ عشرات السنين وتمكنت من المحافظة على
عروشها من خلال تمتين العلاقة بامريكا والسير مع هذا الفلك الآمن لحكامها
وحكوماتها والقاتل لتطلعات شعوبها ومصالح بلدانها .
وخاتمة القول :
هناك صراع شديد بين الطرفين بغض النظر عن
مسمى كل طرف حسب التصنيفين السابقتين ، اي سواء كان ذلك محور الاعتدال ( الفلك
الامريكي) مقابل محور الممانعة ( المقاومة) أو حسب التصنيف الثاني محور السنة
مقابل المد الشيعي .. ولا أقول بأن بهذه
القسمة ثنائية حادة إن أثبت الاولى نفيت العامل الثاني كليا او العكس فلكل عامل
نسبته من التأثير ولكن الناس يختلفون في تحديد النسب..
والصراع على النفوذ وبسط السيطرة خاصة في
المناطق الرخوة أمنيا واقتصاديا موجود بين الطرفين ... ولن تكون النتيجة حسب هوى
اي طرف من الاطراف لان الحزم والحسم ليس سهلا ولن يقبل طرف بالرضوخ للاخر ويبقى الذي
يدفع ثمنه الباهظ الناس البسطاء .. والسؤال واننا قد وصلنا الى هذا الدرك الاسفل
من هذه الحروب السوداء : وقد قطعنا أشواطا لا بأس بها من ضحالة التفكير في مصالح
الامة : خربنا على أنفسنا اولا العمق الامني المفترض كما قلنا في البداية ، ولم
نستطع بسط النفوذ ثانيا من خلال التنافس الشريف في دعم المناطق الفقيرة والمهددة
بالصراع .. لم يدخل الطرفان ساحة التنافس ، فايران والسعودية لو تنافستا تنافسا
شريفا في دعم اليمن وصحتين على الذي يكسب خيار الناس من خلال دعم اليد العليا
وتمرير السياسة من خلال الدعم المادي كما تفعل الدول المانحة فعلها بمساعداتها
المادية للمجتمعات الفقيرة والمنكوبة .. ولم نفعل هذا ايضا .. ثم رحنا للحرب
المدمرة قافزين عن الحرب الباردة .. فإن كان ولا بد من حرب فلتكن حربا باردة ..
يأخذ الصراع شكلا طويل الامد ويتدفق الدعم من كل الاطراف وتعمل الثقافة والاعلام
فعلها ثم تكون الغلبة لما يختاره الناس أخيرا ..
آن الاوان للعرب والمسلمين أن يبدؤوا من
حيث ما انتهى اليه الاخرون لا أن يعودوا الى جاهليتهم الاولى ويعود التناحر القبلي
والطائفي بمعارك طاحنة يوظف فيها الدين والمذهب لاراقة دماء الناس.. فالذي جاء
ليحقق سعادتهم اذا به يسحقهم بهذا الاستخدام الفظ من قبل هؤلاء الذين لم يفقهوا
الدين ولا السياسة .
التسميات :
مقالات