الشهيد معتز حجازي عرف من اين تؤكل الكتف


من اين تؤكل الكتف 

الشيخ معتز حجازي
عرفته عندما كان جادا في سجنه : يا صاحبي السجن تعالوا نتتلمذ على آيات الرحمن ..
تعالوا بنا نتدارس سورة الانفال وعندما وصل مع تلامذته الى قوله تعالى : "
وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم " : غير ذات الشوكة أي القافلة والتجارة
التي يسيطر عليها الجيش بسهولة او قل الحرب الاقتصادية التي تضعف اقتصاد الاعداء
.. أما ذات الشوكة فهي المواجهة العسكرية : جيش مقابل جيش .. والهدف كسر شوكة
الاعداء العسكرية والمسالة أصعب من كسر شوكة الاعداء الاقتصادية .. رغم أهمية
الامرين : فالمقاطعة الاقتصادية" غير ذات الشوكة " واشكال المقاومة
السلمية كما يسمونها هذه الايام مهمة ولكن الحرب العسكرية " ذات الشوكة
" تبقى هي الاهم .. لانها هي التي تقطع دابر الكافرين كما عبر عنها القران :
" وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع
دابر الكافرين " ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون " .. توقف
الشيخ معتز عن درسه وقال : وانا اخترت ذات الشوكة لذلك انا اليوم في السجن وأنتم
كذلك .. فهل نواصل طريق ذات الشوكة بعد تحررنا من هذه السجون ام ترانا نتراجع خطوة
الى غير ذات الشوكة أم نتراجع خطوات فنبايع بيعة النساء حيث سميت بيعة العقبة
الاولى لانها كانت لا تتضمن الجهاد .. مع ان النساء دخلن الجهاد لذلك نضع علامة
استفهام على هذه التسمية لهذه البيعة ؟ ..


وبقي الشيخ معتز
على التزامه بذات الشوكة بعد ان قضى في السجون احد عشر عاما وهو يدرس سورة الانفال
والتوبة والفتح ومحمد .. كيف لا وهو الذي عشق القدس وعاش الاقصى بكل تفاصيله ..
بدا طفولته بأن كان شاهد عيان لمجزرة الاقصى وهو مع أبيه يرافقه الى الصلاة هناك
.. راى القتل والدماء وملاحقة الشيطان لعباد الرحمن .. نمى وترعرع في أحضان عائلة
مقدسية يزاحمها الاحتلال في وجودها وتاريخها وارتباطها العميق بالقدس ، بكل بطشه
وظلمه وقهره وعدوانه وقطعان مستوطنيه .. حزم أمره وأخذ قراره أن يقاوم هذا الظلام
ما استطاع لذلك سبيلا ...


كان مفسرا للايات
من طراز فريد .. في أعماق بطن الحوت حيث السجن بظلماته القاسية ، وحيث سطوة السجان
وملاحقته لكل نفس من أنفاس الاسرى ، كان يمتلىء شعورا بأنه جيش في رجل خاصة وهو
يفسر " اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين
" ويقول : ولم يتوقف مدد الرحمن عند معركة بدر وانما كان وما زال يتنزل على
عباد الله الصادقين .. " وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر
الا من عند الله ان الله عزيز حكيم " .. ويحدد معالم معادلة النصر بكل ثقة
وطمانينة عالية : صدق وعمل ويقين واثق يُنزل المدد والنصر .. هكذا كان يصنع لنفسه
ولاخوانه حياة القران في مدافن الاحياء .. يعيش عزيزا قويا مطمئنا واثقا بنصر الله
.. يتمتع بروح الانتصار رغم كل محاولات السجان : ان يحاصره ويحاصر روحه الى مهاوي
الردى وروح الهزيمة والذل وقابلية الاستعمار والاستحمار التي يرضاها كثير من الناس
لانفسهم .. ومع مدد الرحمن يشعر بان بين جنبيه وفي اعماق صدره جيش بكامل العتاد ..
خمس وسبعين كتيبة هي آيات سورة الانفال كلها تصطف في جنبات قلبه وتصنع شخصية قادرة
على صد العدوان .. يصنع لنفسه واخوانه في السجن حياة قوامها : يا ايها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم "


ويصر معتز على ذات
الشوكة وهو في السجن ، يفرض اجواء القران ويطرد اجواء السجان .. يصر على حياة
الروح العالية ويضحي من أجل ذلك ، كلما كانت المواجهة في صراع الارادات كان موقعه
في المقدمة وملاذه الامن زنازين العزل والعقاب .. وهناك عندما يعزل الاسير ويعيش
العزل عن المعزولين اصلا عن الحياة .. هناك يجد ربه قريبا لطيفا ودودا فيدخل عزلة
في ميدان فكرة .. يحتار السجان به ، لا يقتله العزل ولا يزحزحه عن خطه الذي أبدع
رسمه لحياته في السجن ، بل يزداد شحنا للروح والهمة ويعود وقد ازداد ايمانا وقوة وصلابة
.. يعود الى غرف السجن ليواصل الحياة ..


ويستمر الشيخ معتز
في دروس التفسير : التفسير الحركي .. في مكان يوقف الانسان عن حركة الحياة .. فينقلب
السجن الى حركة لا يوجد مثلها في عالم الحركة المزيف : يدور بها الانسان حول نفسه
أو أشيائه الصغيرة بينما كان الشيخ يشرح عن الحركة التي يدور فيها المرء حول رسالة
السماء .. ويرسخ في نفسه ونفوس اخوانه هذه المعادلة القرانية .. اين يكون الثبات
في ظل هذه الحركة العالية الدؤوبة : " يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة
فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " إن إدعاء الثبات على الحق وعلى
المبدأ من غير ثمن وتضحية .. أمر سهل .. ولكنه الثبات عند ملاقاة الاعداء
والاشتباك معهم .. خاصة كما هو الحال في السجن او القدس او فلسطين .. كان يشرح كيف
يكون ثبات الاسير في السجن وفي نفس الوقت عينه على القدس : كيف يكون ثبات الناس
هناك ؟؟ يسمع ويرى في الاعيب السياسة شعارات الخطوط الحمراء ..  ونداءات دعم الصمود دون ان تترافق بالخطط
والافعال .. ويرى ما يفعله الاعداء وفق خطط منهجية وعمل متواصل لفرض اباطيلهم على
ارض الواقع .. اذا لقيتم فئة فاثبتوا على ذات الشوكة .. هكذا تكون اذن تكتيكات
المواجهة : ذات الشوكة وان شئتم غير ذات الشوكة حتى تتوفر ظروف ذات الشوكة ولكن
اياكم ان تتخلوا عن الشوكة .. ويفسر ذكر الله الذي يثوّر ايات سورة الانفال ويجيّشها
في الصدور .. والا ما سر ان يرتبط الذكر بالثبات عند ملاقاة الاعداء ؟؟ وشنع على
من يريد لنفسه ان يكون ذاكرا عابدا وفي نفس الوقت بعيدا عن هذا الثبات عند ملاقاة
الاعداء .. هذا الاسلام السهل الذي يُنزع من روحه الشوك والفعل وروح الانتصار ..


ويترنم عندما يصل
الى تقعيد هذه المعادلة في نفوس اصحابه .. بهذين البيتين اللذين يقارن بهما بين
العابد والمجاهد :


يا عابدَ الحرمين لو أبصرتْـَنا ... لعلمتَ
أنَّكَ في العبادةِ تلعبُ


مَنْ كانَ يخضبُ خدَّه
بدموعِه ... فنحورنُـا بدمـائِنا تَتَخْضَبُ


وكان الشيخ معتز
يتوقف طويلا عند آية الانفال : " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال "
ويتبعها ياية : " فقاتل في سبيل الله لا تكلف الانفسك " ويربط ذلك
كعادته بالواقع حيث تتراجع الامة عن دورها خاصة في موضوع القدس هذه الايام فتجيب
الاية على من يقول "ما في اليد حيلة " .. أنت وحدك أمة عند غياب الامة
عن دورها ..


ويحرر الشيخ معتز
من السجن بعد غياب احد عشر عاما ليدخل سجن القدس فيرى ما جرى فيها من تغيير لصالح
أعدائها .. فيعلن من اللحظة الاولى محددا دوره في هذا السجن الجديد : يستذكر ذات
الشوكة التي فسرها عشرات المرات : فيقول : سأبقى شوكة في حلق المشروع الصهيوني في
القدس ، كلمة تدل على مدى عمق فهمه لما يجري على ارض القدس : انه مشروع متكامل الخطوات
يجري تنفيذه ليصل الى الصهينة الكاملة للقدس وبالتالي محو كل معلم عربي فيها بما
في ذلك محو الاقصى عن الوجود واستبداله بالهيكل المزعوم .. من هذا الفهم الدقيق
والعميق يرسم الشيخ دوره ، ومن معين ارادة الله للصف المؤمن في بدر .. والتي رسمت
ملامح المعركة فحددت لهم ذات الشوكة .. قرر ان يكون دوره : الشوكة التي تٌزرع في
حلوقهم .. وبعد عمل طويل في اعمال متعددة في غير ذات الشوكة : من رباط في المسجد
الاقصى وما يتيسر من افعال تغيظهم اختار اللحظة المناسبة ليضرب رمزا من رموز
مشروعهم.. كان بامكانه ان يختار اهدافا كثيرة غير هذا الهدف ولكنه اراد ان يوجه
الرسالة الحاسمة : أن يضرب قلب مشروعهم : هذا الحادي والمنظر وحامل الفكرة الفاجرة
التي تعمل ليل نهار على حشد التاييد لفكرة اقامة هيكلهم المزعوم مكان المسجد
الاقصى المبارك ..


اذا لم تكن ردة
فعل او فكرة عابرة او ثورة عاطفية أو نخوة عربية بل كان مشروعا : مشروع أمة في فرد
: مشروع حمل الرؤية والرسالة والهدف والخطة والاثر السياسي وعمل كل ما يمكن من فعل
لنجاح المشروع :الفعل الاستخباري والرصد وجمع المعلومات وحتى اختراق صفحة الفيسبوك
للهدف المحدد : هذا الذي هم دائما يخترقوننا من خلاله نجد من يسبقهم ويخترق حصونهم
..


ونجح مشروعك سيدي
معتز حجازي .. نجحت ما علمتنا عليه في تلك الاقبية التي لم تفقد فيها حريتك .. عرفت
من أين تؤكل الكتف .. وفشل الحاخام يهودا غيل في تتويج حياته برؤية الهيكل مكان
المسجد الاقصى .. خاب وخسر الرهان وكان لجهنم صاحبا .. هذا الحاخام الذي حفلت
حياته باقتحامات متواصلة للاقصى وكان رئيسا لما يسمى امناء جبل الهيكل ... جاءه
بالامس الجواب المفحم ووضع حدا لشره المستطير .. ووصلت الرسالة لكل الحاخامات
الدينية والسياسية في هذا الكيان الغاصب ... وصلت يا شيخ الانفال الى الهدف واقمت
وحدك مشروعا يثبت زوال وعقم مشروعهم .. لقد انتصر مشروعك القراني على مشروعهم
التوراتي .. لقد صنعت النموذج الذي به سينهار مشروعهم .. حددت معالم الطريق وبدأت
بنفسك .. لله درك ودر أبيك الذي سمعنا كلماته الربانية حيث كانت تناشد روحك
وأشعرتنا من أعماقنا : هكذا تكون التربية وهكذا علينا ان نربي ابناءنا .. من سورة
الانفال الى الشوكة التي أصبحت مشروعا يدك قواعد مشروعهم الفاني باذن الله ..   








   







 





Plus récente Plus ancienne