كيف ننقذ سامر .. لنعد الاعتبار لدور المساجد











كل من خاض اضرابا مفتوحا عن الطعام في السجون
الصهيونية يدرك تماما درجة الخطورة التي وصل اليها سامر العيساوي .. حتما قد فات
الاوان لانقاذ سامر .. لن يستعيد صحته كما كانت قبل الاضراب هذا إن نجاه الله ..
وليقل أهل الاختصاص قولهم : الاطباء الذين شخصوا حالة سامر منذ اكثر من مائة يوم
يقولون بخطورة الوضع الذي وصل اليه . هل من تجربة مشابهة تعتبر سابقة لهذه التجربة
بالامكان القياس عليها ؟؟ والاجابة معروفة فالتجربة غير مسبوقة والذي يقوم به سامر
قد قطع الخط المتقدم لهذه الجبهة منذ مائة وخمسين يوما ..


والمراقب للمؤتمرات والاجتماعات الداعمة
للاسرى في محنتهم يسمع ويرى خطابات يعمي سحرها عن رؤية الواقع ولا تصل الى
المعالجة العملية للموضوع ,تلهب العواطف وتطرح المبادىء وتتغنى بالغايات النبيلة
والاهداف العظيمة ولكنها لا تصل الى المعالجات التي تطرح حلولا للمشكلة .. تماما
كالغريق الذي يسمع الوعظ ويتلقى اللوم دون ان يجري العمل على انقاذه ..


ومن الواضح على سامر انه قد نوى الشهادة وحرق
السفن وكذلك شراونة وقعدان وعز الدين  فمن
يراهن على انهم سوف يتراجعون في لحظة ضعف او سوف ينزلون عن الشجرة العالية التي
صعدوها بشق الانفس فانه واهم ولن يفعلوا الا الممات الذي يكيد العدى . فما العمل
الذي يفضي الى إنقاذ هذه النفوس الابية من براثن الموت المحقق ؟ ومتى يستجيب
المحتل لمطالبهم العادلة ؟ وهنا لا بد من هذا السؤال المشروع : طالما ان الحراك
التضامني في الشارع الفلسطيني يعزف على ايقاع ناعم ضمن وتيرة محسوبة لا تعرض
الاحتلال لاية مخاطر فلماذا يستجيب هذا الاحتلال .. هل نرى ان للاحتلال ضميرا قد
يصحو فجأة ويعيد النظر في عنجهيته وصلفه فيتوب توبة نصوحة ويتحول الى احتلال مؤدب
يحترم حقوق الانسان ويتوقف عن هوايته المفضلة وهي سوم الشعب الفلسطيني سوء العذاب
..


إن من أبجديات النضال الفلسطيني ومن وحي
تجربتنا المديدة هذه المعادلة :لن يستجيب الاحتلال للمطالب الا إذا ارتفع ايقاع
الحراك في الشارع الفلسطيني وأصبح يشكل خطرا على مصالح وأمن الاحتلال .. اذا ارتفع
الايقاع وخرج من نعومته الهادئة واصبح هناك خشية وتوقعات قد ترفع من تكلفة
الاحتلال عندئذ وفورا يعيد حساباته .. هذه هي المعادلة إذا .. وأكبر مثال على ذلك
حركة الشارع الفلسطيني في اضراب الاسرى عام 2000 حيث انتج هذا الاضراب ما سمي في
حينها انتفاضة الاسىرى وكانت الاستجابة لمطالبهم كاملة في يوم الاضراب الثلاثين ..


ولما اصبحت حركة الشارع الفلسطيني هادئة
وناعمة واصبحت الفصائل أكثر هدوءا ونعومة وتكتفي بمؤتمرات في قاعات مغلقة تقيم
فيها المنابر للخطب العصماء واصبح الحراك الشعبي اشبه بالاوبرا التي تعزف عزفا لا
يبتعد كثيرا عن عزف الجنائز .. كل شيء مضبوط وموزون وحساباته واضحة ومحددة محصلتها
انها لا تحرك ساكنا لحضرة جناب الاحتلال الذي اصبحت تكلفة احتلاله لنا صفرا .. هذه
المعادلة بكل وضوح لن تنقذ الذين ينازعهم الموت في كل لحظة باي حال من الاحوال ..
فما المعادلة اذا ؟؟ انها بكل وضوح ارتفاع الايقاع لحركة الشارع بما يعرض ما
يخافون عليه للخطر او ظهور مفاجات غير محسوبة .. وهنا لا بد من اعادة الامور الى
نصابها حيث دور المساجد :


كان للمساجد دور هام في معالجة قضايا الناس :
منها يقود العلماء الناس في مواجهة الظالمين سواء كان الظالم اجنبيا مستعمرا او
كان محليا مستبدا .. ومنها يجند الناس وتحشد جموعهم وفيها تلتهب المشاعر وتجيش
العواطف وتوظف الافكار على قاعدة الاعتقاد التي يتربى عليها الناس ليصلح شؤونهم
الدنيوية قبل الاخروية ,حيث اعتبر الدين ان الدنيا جسر العبور للاخرة فلا يعقل ان
ياتي الدين لاصلاح أخرة الانسان بينما يهمل في دنياه بل المطلوب هو حسنة الدنيا
وحسنة الاخرة في ان واحد .. هكذا كان دور المسجد منذ البدايات الاولى للاسلام حيث
كان المسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة المكان الذي يصلح منه كل شؤون
الناس واستمر المسجد على مر التاريخ الاسلامي منارة للعلم والعمل وكان للراصد لهذا
التاريخ هذه المعادلة : كلما كان المسجد حاضرا في حياة الناس كلما قام بدوره كما
يجب كانت الامة في حالة رقي حضاري وتحققت كرامة الامة ونصرها .. وكلما غيب دخلت
الامة في غيبوبة حضارية لا تفيق منها حتى يعود المسجد ليلعب دوره كاملا في حياة
الناس وكما وجد ليكون منارة للعلم والعمل ..


كانت الانتخابات الاولى للمسلمين بعد وفاة
رسول الله في المسجد حيث بايع الناس ابا بكر البيعة العامة وكانت جيوش الفتح تنطلق
من المسجد وعندما اراد العز بن عبد السلام ان يصحح اعوجاج حكام مصر من المماليك
حرك قواته الشعبية من المسجد وقبل ان يحقق صلاح الدين النصر على الصليبيين ويحرر
القدس اشتغل علماء الامة طويلا على صناعة الجيل القادر على تحقيق النصر تربويا
وبناءا عقائديا قويا ونفسيا وروحيا ,وعندما اراد الامام عز الدين القسام ان يفجر
الثورة في فلسطين انطلق من المساجد .. والامثلة أكثر من ان تحصى ولا يمكن ان يتصور
ثورة قد حصلت في بلد مسلم ولم يكن للمسجد دور هام فيها بل مركزيا على صعيدين :
المساهة في بناء الشخصية الفعالة والقادرة على التغيير على المدى الاستراتيجي
والبعيد, ثم تفعيل هذه الشخصية مع قضايا الساعة على احسن ما يكون .. 


والان وفورا المطلوب ان تتحرك المساجد وان لا
تكتفي بالدعاء رغم أهميته ولا تكتفي بخطبة موحدة عصماء يخطبها الائمة وكفى الله
المؤمنين القتال .. اعتقد ان الامر يتطلب ان يشكل الائمة قدوة حقيقية للناس في
ميدان الفعل وأن يتابعوا مسألة تشكيل رأي عام وتعزيز ثقافة تنتج السلوك المطلوب
وأن ينطلقوا من مفهوم الواجب والفريضة كالاتي :


1- الوقوف مع الاسرى في محنتهم واجب شرعي لا
يقل أهمية عن أي واجب شرعي اخر وليس مجرد عملية تضامن لمن احب ان يتضامن بل هي صدق
مع الذات في علاقة مقدسة دينيا خطها الله في كتابه " إنما المؤمنون أخوة
" ومثل رسول الله للعلاقة بين المؤمنين على انها كأعضاء الجسد الواحد اذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .


2- يجب تفعيل موضوع فقه الاولويات في حياة
الناس قلا يعقل ان يدفع المرء مبالغ كبيرة وجهود مضنية للقيام بالعمرة رقم عشرين
مثلا في حين لا يوجد لديه استعداد ليقف خمس دقائق في خيمة اعتصام وقوفا مع الاسرى
الذين يموتون موتا بطيئا مع العلم ان هذه فريضة وتلك سنة ... اين نحن هذه الايام
من فقه احد العلماء السابقين عندما كان مع تلامذته في طريقهم للحج فوجد بنتا تأخذ
دجاجة ميتة وعلم انها تعيل ايتاما يتضورون جوعا .. فجمع ماله ومال تلامذته ليدفعها
للبنت ويعود الى دياره من غير حج معلما فقه الاولويات : لقد ادركتم الحج هذا العام
..


3- الواجبات لا تجزأ ولا يجوز انتقاء الاسهل
منها بل هي واجب واحد وليس هذا فحسب بل إن ما له حق للعباد اولى من غيره .. لذلك
على الائمة ان يعلموا الناس بأن القدوم للمسجد والمبادرة للصلوات لهو تدريب عملي
للمبادرة والمسارعة اتجاه كل واجب يريده الله منا ..


4- يجب ان يعلم الائمة الناس ان المساهمة في
تفريج كربة من كرب الدنيا على الاخرين يفرج الله بها كربة من كرب الاخرة وفي هذا
الخير العظيم .


5- ويبقى كلام الائمة للناس نظري الا اذا نزل
على ارض الواقع .. وهذا الاضراب وما يجري له من تفاعلات فرصة عملية للائمة كي يرى
الناس ما يسمعون من قيم نظرية يقودهم اليها الامام ليجسدها معهم بطريقة عملية رائعة
..


هكذا تتحرك المساجد الحركة المطلوبة وهكذا
نجدها حية بائمتها تحيي الناس بروحها وتنتفض وتنتصر لقضايا الناس خاصة لقضية بهذا
الحجم .. اناس يموتون موتا بطيئا ليحيون أمة من موتها الذي طال عليه الامد.. فمنذ
متى ماتت المساجد وقد وجدت لتكون منارة للعلم والعمل ..


                 





 




Plus récente Plus ancienne