لماذا كان السجن احب الى يوسف مما يدعونه اليه؟



 رب السجن احب الي مما يدعونني اليه

نتنقل بين إرادتين ، إرادة يوسف عليه السلام رائد هذه
المدرسة اليوسفية و إرادة أسرانا في هذا الزمان : خضر عدنان الذي حطم كل الارقام
القياسية في اضراب غير مسبوق استمر 66 يوما وعباس السيد صاحب ال 36 مؤبدا بالاضافة
الى 200 سنة على سبيل المثال لا الحصر.. لقد بلغت وقاحة السجان أقصى مداها (قبل عدة
أيام) عندما أقدمت على الاعتداء بهجوم عشرات من كلاب شرطتها الحاقدة على السيد
المعزول انفراديا في زنزانته .. أصابوه اصابات بليغة وقاتلة ثم نقلوه وهو بين
الحياة والموت الى ما يسمى مستشفى ظلما وزورا ..



وما السبب الذي أعلنوه : رفضه
لاجراء فحص ال :dna وهذا واضح بانه عذر مصطنع
تماما كما فعلوا مع نائل البرغوثي في عامه الاربع والثلاثين من الاسر قبل اطلاق
سراحه في صفقة وفاء
الاحرار حيث تعرضوا له بالضرب دون اية مقدمات – وهو الان
شاهد عيان بيننا - : والهدف واضح هو قياس منسوب النخوة والاحساس الكرامة عند شعبنا
.. ما هي ردة الفعل عندما يتم الاعتداء على كرامتنا المتمثلة اسرانا داخل السجون ؟؟
عباس السيد كمثال صارخ ، يسجن ثم يعزل بداخل سجنه في زنزانة انفرادية لا ترى شمسا
ولا هواءا ولا بشرا ثم يستمر هذا العزل ما يزيد عن تسع سنوات ثم تقتحم هذه الزنزانة
ويضرب بهمجية لا تقدر على حملها الكلمات ( لقد شاهدت كيف يجري الضرب من قبل هذه
الفرق المتخصصة : متسادا ونحشون : لقد رايت كيف تفقأ العين بالقلم لاسير مكبل
الايدي والارجل من قبل ضباط يحملون رتبا عالية ، ولدينا الان
اسرى محررين شهداء
على هذا الاجرام كتب الله لهم الحياة من جديد ) .. هذا الضرب الذي تعرض له عباس
السيد كان كفيلا بانطلاقة انتفاضة لو كانت اوضاعنا جيدة ولو لم نكن نحن أسرى
للانقسام .. لقد جسوا نبضنا بضرب السيد فينا وحصلوا على الجواب .. سجنوا وعزلوا
الدويك ومروان وقادة لنا كبار ولم تكن لنا الوقفة المساندة الا بدايات نأمل أن
تتطور وتصل الى الدرجة المطلوبة .. وهذه بحاجة الى تعظيم الشعور بالواجب وأنها
لا تقل عن أي واجب ديني آخر . هناك مشكلة عندنا وهي اننا نقدم واجب على آخر خاصة
عندما نقدم الواجب المكلف على واجب قليل التكلفة . قد يستسهل بعضنا رحلة العمرة
مثلا ولكن واجب المشاركة في فعالية تخص أسرانا فهي أمر ثقيل ولا يشعر بأنها واجب
لا تقل اهمية عن واجب أي واجب آخربل هو الاهم والاقرب الى مرضاة الله .





لا أدري ايها الاخوة الكرام اذا اردنا ان نستعرض
احوال
اسرانا من اين ابدأ واين انتهي : نتحدث عن المعزولين حيث العشرات ، ومنهم من بلغ
العشرين سنة وما زال معزولا : حسن سلامة مثلا هل نتخيل هذا كيف يجري على
ابطالنا وكم هي طاقة تحملهم ؟؟ اسألوا عن العزل ممن عاشوه ومنهم من هو بيننا هذه
الايام ؟ نضال زلوم الذي أخذ العزل من حبسته ما يقارب العشر سنوات : اسألوه : كيف
كان يومك في العزل ؟ من كنت تناجي وكيف كانت عقارب الساعة تسير معك ؟ ما هي علاقتك
بالزمان والمكان والسجان وجيرانك المعزولين من السجناء الجنائيين الذين لا يتوقفون
عن ضرب الابواب وكيل اسوا أشكال المسبات ليل نهار ؟؟





هل أتحدث عن المرضى وكيف تجري عملية العلاج التي تحول الاسير
الى حقل تجارب فتعزز المرض وتفتح سجنا داخل سجن وتتضاعف المعاناة .. هل اتحدث عن
سجن النساء والامهات في مدافن الاحياء أم عن الاطفال والاعتقال الاداري ومعارك
الاضراب عن الطعام ؟؟





دعونا انطرح سؤالا لماذا يسجن هؤلاء ؟؟ عندئذ يلزمنا الذهاب الى
يوسف عليه السلام لنسأله ذات السؤال ؟؟ ماذا عنه عليه السلام من خلال قصته في
القران :





1/ القاعدة الاولى
: لآن الله آتاه الحكم والعلم لذلك فإن
موقفه وسلوكه ينبغي أن يكون حكيما وعالما خاصة بما يريد الاعداء منه . ” ولما
بلغ أشده آتاه الله حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين” : وهذا لا يروق للاعداء
فيبدأون بالتفكير في سجنه .





2/ لآن الظالمين يراودوننا على أنفسنا ” وراودته التي هو في
بيتها عن نفسه ” ويريدون منا أن نكون طوعا لامرهم لذلك لا بد من مخالفتهم وعدم
الاستجابة لامرهم .. ” وهذه سنة باقية للظالمين : يقول المفكر الجزائري مالك ابن
نبي بعد ان يستعمر الاستعمار بالقوة يعمل على زراعة قابلية الاستعمار في نفوس
المستعمرين .. وهذا حالنا عندما يدعوننا للتعايش والقبول بالظلم والامر الواقع ..
إنهم يراودوننا : وأسرانا خالفوا هذه الارادة الظالمة .. ويتعرض الاسير والمستعمَر
بشكل عام لاشكال متعددة معروفةمن المراودة : على نفسه وانتمائه ودينه ووطنيته
وكرامته .. الخ .





3/ وعادتهم أنهم يحاصرونك ولا يتركون أمامك سوى خيارين لا
ثالث لهما : وغلقت الابواب : كل الخيارات أمامك مغلقة ، وقد حاول الفلسطينيون
ايجاد حلول وفق خيارات أخرى ولكنهم غلقوا كل الابواب هكذا تقول تجربة عشرين
سنة من المفاوضات .. لقد اختارت ارادة اسرانا خيار يوسفأما ارادة الاحتلال فهي
التي غلقت كل الابواب .





4/ ولان سنة الله في الظالمين انهم لا يفلحون فلا مجال
لالتقاء الارادتين في منتصف الطريق : إنه لايفلح الظالمون .





5/ ولأن الفتنة تكشف ارادة المخلصين اين تذهب وكيف تتصرف :
من السهل ان ندعي الايمان والصلاح في
الوساع ولكن عندما نكون على محك : “ولقد
همت به” : هنا يظهربرهان الارادة الحرة الابية : وهمَّ بها لولا ان راى برهان ربه
.. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء .. إما ان يكون لك برهان هذه الارادة او ان تقع
في سوء وفحشاء إرادتهم … وإرادة المحتل التي تعمل على ضعفنا وميلنا للشهوة .. ”
وإذا رأو تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن
التجارة …” .. هناك ارادتين داخل الانسان إرادة الاخرة وارادة الدنيا .. اذا غلبت
ارادة الدنيا : الغنائم والمناصب كما في أحد وقعت الهزيمة ، وإذا غلبت ارادة الاخرة
كان النصر .” منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ” لقد انحازت ارادة اسرانا
للقضية وغلبت العام على الخاص لذلك كانوا في السجن وآثروا الحياة التي تسر الصديق
وتكيد العدا .





6/ ولأن إرادة الظالمين تصر على ملاحقة ومطاردة من لا يسير
في ركبهم ولا ينزل عند شروطهم مطاردة
ساخنة دون توقف : ” واستبقا الباب .. وليس
هذا فحسب : وقدت قميصه من دبر ..وتصر ايضا على الاتهام والتشنيع والتهديد :
قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا الا أن يسجن أو عذاب أليم ” إنهم ارهابيون
مخربون ومعتدون أما هم فابرياء وضحايا
للارهاب .





7/ ورغم وضوح الدليل الا انه تستمر الملاحقة
والتهمة
لماذا : لأنه استعصم .. تهمة اسرانا أنهم استعصموا ولم يستجيبوا لهم
وينزلوا عند ارادة المحتل .





8/ لم يبق نهاية المطاف وبعد هذه الجولات الساخنة الا خيارين
لا ثالث لهما : ” ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن او ليكونا من الصاغرين ” هذه هي
خيارات المستعمِر مع المستعمَر : خيار براغماتي تعايشي تطبيعي ورضى بكل سوئه
وفحشائه ونزولا عند كل رغباته- مائة بالمائة مما يريدون- لا بقبل بتسعين بالمائة
مثلا أو الرفض وهذه تحتاج الى التضحية والسجن .. لقد وصلت الامور الى درجة لا
تطاق : انظر ستجد الابواب كلها مغلقة ولا أقول مغلقة وإنما مغلقة : انظر خلف باب
السجن لتجد ان ملف الاسرى قد أحكموا اغلاقه .. افتح ملف المياه وحدث ولا حرج
لتجد اننا لا نسيطر على قطرة ماء من مياهنا : ناهيك عن قلب القضية : ملف القدس
الذي يسابقون فيه الزمن في تهويد وطمس معالمها بكل ما اوتوا من قوة وخبث . وملف
الاستيطان حيث لا يستعدون لاي تجميد ولو كان شكليا ومؤقتا أو حتى لأغراض
الاستهلاك المحلي .. ” لقد غلقوا كل الابواب بأقفال أحقادهم التي لا حدود لها”
.




قد وقفت ارادة اسرانا أمام إرادة السجان بكل شموخ وإباء
واختارت الخيار اليوسفي الخالد : رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه ” : السجن
بكل الامه ومعاناته ، بكل مرارته واوجاعه ، بكل رطوبة جدرانه وحقد سجانه .. هذا
المكان الكئيب المؤلم القاتل السارق
لأجمل سنوات العمر … إنه أفضل وأحسن بل وأحب
للقلب والروح العزيزة المؤمنة من كل ما يدعوننا اليه .. من كل ما يعرضون .. من
كل ما يزين لنا حلفاؤهم من مال ودعم وتأييد : إنه مال مسموم ودعم موهوم وتأييد
مخادع لا يريد منا الا أن نخلع ديننا وثقافتنا وأخلاقنا وعزتنا وكرامتنا وكل شيء
فينا .. فلنستعصم كما يوسف عليه السلام  وكما اسرانا الذين ما زالوا يدفعون الثمن
غاليا ولكنهم يرفعون رؤوسهم عاليا … قال صلى الله عليه وسلم : إن
الله لا يترحم على أمة لا يأخذ الضعيف فيهم حقه غير متعتع ”





الجزء الثاني :





ومع وقفة إرادتنا الجازمة القوية الحازمة مع ارادة السجين
يوسف عليه السلام وإرادة اسرانا الذين مازالوا مستعصمين وما زالت أرواحهم تحمل
راية الوطن لا بد من شيء من العمل والا بقيتقصة يوسف مجرد قصة .. ولكنها حياة
ومنهج وصورة عملية لواقعنا .. ولقد مررنا في التجربة وكانت بفضل الله لنا نورا
في ظلمات السجن .. لقد استطاع يوسف عليه السلام بعد خلاصه من الاسر أن ينقذ مصر
من ظلمات الشرك والظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لآنه انطلق من القاعدة
الاولى : أوتي حكما وعلما من ربه .. هذه القواعد الثمانية التي حفظها لنا القران
هي قواعد النجاح في كل شؤون الحياة خاصة في علاقة المظلوم بالظالم وكيفية الخلاص
من كل أشكال الظلم ..





وبشكل عملي لا بد أولا : من إعادة الاعتبار لوزن اسيرنا وهذا
يؤدي الى الوقفة المطلوبة الحقيقية اتجاه اسرانا إذ ماذا يعني لنا أن يُضرب أسير
معزول في زنزانته وهذا الاسير يشكلرمزا لكرامتنا وروحا لقضيتنا .. ولا يمكن
اعادة هذا الاعتبارلوزن اسيرنا الا اذا
اعدنا الاعتبار لأنفسنا : أين نحن من
قضيتنا : هل نحن مع الذين اذا رأو تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوا أسرانا
قائمين في زنازينهم محاربين بأمعائهم الخاوية ؟؟ أو نحن مع الذين لا يتركون
سبيلا في دعم اسرانا الا سلكوه … أحيانا لا نجد مع وقفات التضامن الا اهالي
الاسرى وكاننا لسنا من أهلهم ولا يعنينا أمرهم .. لقد اثبتت التجربة ان ضغط
الشارع والاعلام مهم وداعم رئيسي للاسرى .. وهذا أضعف الايمان مما هو مطلوب منا
.





ثانيا : إذا أردنا
دعما حقيقيا لأسرانا فلا بد من التحرر
وفورا من سجن الانقسام : إن الانقسام والاحتلال وجهان لعملة واحدة بل هما وجه
واحد لعملة واحدة : عملة الهزيمة وتراجع القضية ، إن تعاطينا مع الانقسام يُعد
بشكل واضح استجابة لما يدعوننا اليه ولما يريدونه منا في أحلى أحلامهم الوردية :
بينما وحدتنا هي الكابوس المرعب لهم .. إذا اردنا لاسرانا الحرية فلنحرر أنفسنا
أولا من هذه السجن الذي صنعناه بأيدينا : سجن الانقسام .. وبامكان المساجد -
بقيادة من يملكون الحكمة والعلم- أن تلعب دورا هاما في نشر وتعزيز ثقافة الوفاق
ومحاربة الانقسام وما نتج عنه من ثقافة سوداء تعزز الرضى والقبول في البقاء في
سجن الانا والحزب والفصيل على حساب القضية والامة
الواحدة .. وما هذا الا مقدمة
ضرورية لتحقيق عزتنا وكرامتنا واستعادة قوتنا وتحرير اسرانا .









Previous Post Next Post