كأنما قتل الناس جميعا ؟!
تطلّ علينا بين الحين والأخر جريمة مما يسمّى
بجرائم الشرف، وكأننا في سباق لإخراج أفلام رعب وانحطاط بشري لم يسبقنا عليه أحد،
وهنا نقف بين من يأتي للناس بالمنظور الديني والقيمي والأخلاقي للمرأة واحترامها
ومكانتها العالية في منظومة ثقافية تدين الجريمة ولا تعطي لها أي تبرير بأي حال من
الأحوال، وبين من يحاول وضع يده على الجرح ورؤية الجريمة بموضوعية الظرف الاجتماعي
الذي تمرّ فيه ، هناك مسافة بين ما ينبغي ان تكون عليه الأمور وفق ما نحمل من
ثقافة وبين الواقع المختلف تماما، والسؤال المحوري في الموضوع : طالما أن ثقافتنا
ضد هذه الجرائم فمن أين تأتينا إذا ؟ وما هو الحلّ؟ والى متى ؟
فمثلا الكلّ يعلم في الدين أن الجريمة هي
سواء، في حال ارتكبت ضد رجل او ضد امرأة وأن من قتل نفسا ( ذكر او انثى) فكأنما
قتل الناس جميعا. ولكن الواقع مختلف، ما زال هناك من يتساهل في قتل المرأة خاصة إذا
وجّه لها اصبع الاتهام ولو كان صاحب هذا الاصبع غارق لاذنيه في الفسق والرذيلة. هو
ذاته يقف في قمة السلبية ذليلا مهانا (على سبيل المثال) أمام سلب حريته وكرامته من
قبل الاحتلال ولا يحرّك ساكنا بينما تتحرّك نخوته وتظهر فجأة بكل عنفوانها حالة
الالتباس بشبهة شرف، لا أدري كيف يغيب الشرف هناك أمام سطوة الاحتلال ويظهر هنا
لتنفيس كامل غضبه ونخوته في المكان الخطأ؟!
وهنا لا بدّ أن نذهب الى التطبيقات العملية
لمنظومة القيم التي تحملها ثقافة المجتمع، لدينا اختلال كبير في تطبيقاتنا لمنظومة
القيم، منها ما نطبقه على اكمل وجه ومنها ما ندير له الظهر كليّا ومنها ما نطبقه
موسميا أو اذا وافق هوانا او مصلحتنا ثم نتركه اذا اقتضت المصلحة، هناك انتقائية
وموسمية ومزاجية، وهناك ما نتحرك له رئاء الناس وطلب مدحهم وثنائهم، الخلل اعتقد
أنه منهجي وتربوي بالدرجة الأولى، لم تربّ فينا المدارس ولا بيئتنا التربوية ولم
تنتج منتوجا عمليا نراه سلوكا وواقعا في حياتنا الاجتماعية الا قليلا، وهنا لا بدّ
أن يتكامل البناء القيمي في مناهجنا وأن توضع خطط تربوية عملية لزراعتها بشكل جيد
وليكن ذلك على حساب حشو المعلومات في رؤوس أبنائنا الذي نتعب كثيرا عليه . فماذا
نستفيد من الكمّ الهائل للمعلومات التي يحصلها الطلبة ونصيبهم من القيم والأخلاق
قليل. هناك من القيم السلبية مثلا الكبر والرياء، فالمتكبر المغرور المرائي
المعتاد على تحقيق ذاته من خلال وزنها عند الناس، حالة تعرضه لشبهة تصيب عرضه او
إشاعة بين الناس فان غضبه لا تقف أمامه مخافة الله الضعيفة في قلبه أصلا، فتجده
يسارع نحو الوقوع في الجريمة كما هو حال وقوع الفراش في النار.
الامر الثاني: القوانين الرادعة لان الله
يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقران (العبارة الذهبية التي اطلقها عثمان بن عفان رضي
الله عنه في خطبة لم يتحدث فيها غير هذه العبارة) فالذين يرتكبون هذه الجرائم
البشعة على الغالب هم جبناء يستغلون ثغرة في القانون وثقافة متساهلة فإذا اشتغلنا
على الامرين: عقوبة رادعة مع ثقافة قوية مؤثرة مع العمل الجاد على بناء تربوي منذ
الصغر لمنظومة القيم فالأمر لا بدّ وأن يختلف تماما.