نحو رخصة قيادة للحياة الزوجية !؟
حرصا على قيادة السيارة قيادة آمنة بحيث لا
يؤذي السائق نفسه ولا يؤذي من يقلّهم في مركبته أو يؤذي الاخرين في مراكب اخرى او
مارّة في الشارع ، وكي يسير بامن وأمان وسلامة ، كان لا بد من أن يُؤهل تأهيلا
جيدا نظريا بما يُعرف بقوانين السير وعمليا باتقان مهارة القيادة ، عندئذ يمنح
رخصة قيادة .
ما بالنا بمن يريد أن يتأهل لقيادة الحياة
الزوجية قيادة آمنة وسليمة وسعيدة ، قيادة البيت لا تقل أهمية عن قيادة المركبة،
بل هي أشد خطرا إن أصابها خلل وأعظم أثرا إن سارت بسعادة وهناء . وليس الطلاق
أعظمها خطرا حيث تشير الاحصائيات بارتفاع نسبته خاصة فترة الخطوبة ، الاخطر من
الطلاق أن تسير الحياة الزوجية بعيدا عن المودة والرحمة والتعاون والعشرة الطيبة ،
تصبح الحياة الزوجية كابوسا دائما يخيم على الزوجين ويعكس نفسه دمارا تربويا على
الابناء ، هناك ثلاث سيناريوهات للحياة الزوجية :
- الاول أن يفرض الرجل
هيمنته على امرأته فيلغي شخصيتها بتذويبها في شخصيته ، وتصبح ميدالية معلقة في
جيبه ، لا يحق لها أن تعترض أو تناقش أو تخالف لا بالرأي ولا بالقرار ، تلك اذا
طامة كبرى ، وتسلم هي قيادة نفسها له بالكامل خشية من قوة شكيمة شخصيته الكاسرة
واختصارا للمشاكل ، وهذه التي رضيت أن تكسر جناحها وقلبها وعقلها له غالبا ما ياتي
اليوم الذي تتمرد فيه خاصة عند استقوائها باولادها عندما يكبرون فينفجر بركان كظم
الغيظ الذي حشرته في صدرها منذ سنوات طويلة ، والمشكلة في هذا النمط من الشخصيات
من الرجال أنها لم تعتد أن تفكر بشكل جماعي أو أن تقيم شراكة مع الاخرين ، هي
شخصية بؤرية قائمة على الانا والغاء الاخر خاصة اذا نظر للاخر بأنه أضعف منه وبأنه
يستطيع بسط نفوذه بكل سهولة ويسر ، ويتقوى بذلك على ثقافة المجتمع التي تصب في هذا
المجال مثل ، اقطع راس القط من أول ليلة ، أو خذها أصغر منك لتكون كالعجينة تشكلها
كيفما شئت وقد يستقوي على ذلك بنصوص دينية بطريقة انتقائية عجيبة فيحفظ ما يحلو له
ويقفز عن التي لا تحقق له سياسة الهيمنة المطلقة المعشعشة في رأسه ، فيأخذ مثلا
الحديث الشريف " لو كنت آمرا احدا ان يسجد لاحد لامرت المراة ان تسجد لزوجها
" ( هنا نلاحظ ان الرسول لم يأمرومع ذلك ياخذ بالامر ) ويقفز عن حديث النساء
شقائق الرجال او ما اكرمهن الا كريم وما أهانهن الا لئيم . هذا هو رجل الهيمنة
المطلقة على الزوجة التي اما ان تختار بين المشاكل او الرضوخ التام ، ويتولد عند
الاولاد نمط الابوية المطلقة فاذا تعامل احدهم مع الاخر تعامل بهذه الروح النمطية
التي تحطم الشراكة المتبادلة بين الناس وروح الفريق حتى لو اقتنع به نظريا فلن
يجيده عمليا .
- السيناريو الثاني
للحياة الزوجية على النقيض تماما أن تهيمن المرأة على زوجها خاصة اذا كانت بشخصية
أقوى من شخصيته وجاءت من بيئة الغاء الاخر واقامة العلاقة على قاعدة أنا الكل في
الكل ، أو أنها عاشت دهرا وهي مسلمة قيادة نفسها لزوجها كونه من النمط السابق ثم
جاء دورها لتستلم القيادة في البيت لضعف نتيجة ظرف مادي او اجتماعي أو مرض ألم
بزوجها أو انتصار بالحرب الباردة وهيمنة القوى الناعمة للمرأة على نخوة الرجل ،
وهذا النمط لا يقل سوءا عن سابقه اذ بكليهما تلغى الحياة المشتركة القائمة على
التعاون والتكامل بين الزوجين. وتكون النتيجة المأساوية ايضا على الابناء إذ تتغلب
عقدة الانا على الحياة الجماعية والتفكير بالانا على التفكير الجماعي الرحب الحرّ
، تضيع كل القيم الجميلة في تلابيب الصراع ووضع الجميع تحت عباءة امراة البيت
الحديدية .
- السيناريو الثالث :
هو تجسيد حالة الشراكة الحقيقية التي تبدأ بالتفكير الجماعي الحر واحترام الاخر
وتنتهي بالمحافظة على شخصية ودور كل من الزوجين وانتاج شخصيتين بعقلين وقلبين بدل
دمج الاثنين في واحد ، وهذه من السهل صياغتها نظريا ولكنها عمليا تحتاج الى الكثير
، تحتاج الى بناء تربوي سابق للحياة الاسرية قائم على الشراكة وبعيد كل البعد عن
الالغاء والصهر وطمس شخصية الشريك ، الذي لم يبن بهذه الطريقة ولم يصل الى أن تكون
الشراكة مع الاخر على قاعدة التعاون والتكامل حتما سيكون عرضة للوقوع في مزالق
الطريق التي تفضي الى اسرة مشوهة قائمة على الغاء الاخر او القبول بشطب الذات أو
الصدام والطلاق الذي هو اخف الاضرار في مراحل معينة وأسوأها اذا تأخر وكان الاطفال
والدمار النفسي .
هذا السيناريو الثالث لا يكون بمقال او
محاضرة أو حتى دورة وإنما هو مسار تربوي وعمل ثقافي على عادات وثقافة المجتمع ، هو
العمل بما ينتج بيئة تربوية حاضنة لثقافة الشراكة والتفكير الجماعي والحوار
الهادىء وديمقراطية البيت والاسرة قبل ديمقراطية السياسة والامة . كيف سننتج بيت
الشراكة هذه وكل من حولنا يشكل البيئة المتفردة القامعة ؟ يولد انساننا مقموعا
ويتعايش مع بيت القمع والهيمنة ثم في الروضة يرى المعلمة المهيمنة وفي المدرسة
الادارة الصارمة والمعلم المقهور براتبه وظروفه المرّة والقاهر بسطوته ليُنفّس عن
قهره في تلامذته ، واذا تخرج الطالب رأى قهر الفساد والمتنفذين في سياسات البلد
والحاكمين بالولاء المغيبين للكفاءة والسياسات العادلة ، يرى كل أشكال القمع
وألوانه .. ثم نقول له اذا تزوج اقم بيتا فيه الشراكة والعدالة واملأه بروح
التعاون والاخاء والمحبة والرحمة .. يقف الشيخ عند طلب يد الفتاة فيطرز خطابه
بالايات الكريمة المحفوفة بالمودة والرحمة ويتنفس الصعداء ظانّا انه ادى الرسالة
وبلغ الامانة ونصح للحياة الزوجية ، هذه يا شيخ ثقافة مجتمع وعادات سلوكية لا تُقام
بمجرد تذكير إنها عمل دؤوب ينتج قيم وعادات سلوكية وطرائق تقكير مختلفة تماما .
لن أطالب بالعمل الكثير على ثقافة المجتمع
للننقذ الحياة الزوجية ، على الاقل أطالب بدورة وهي اقل القليل تحاول ترسيخ قواعد
الشراكة الحقيقية بين الزوجين وبعض معادلات الذكاء العاطفي والاجتماعي التي لا بد
منها لتقف الحياة الزوجية على ساقيها وليتأهل الزوجان برخصة قيادة ، وأن يكون ذلك
الزاميا تماما كفحص مرض الثلاسيميا فكما نجح هذا الفحص من تخفيض نسبة الاصابة بهذا
المرض الصعب سينجح هذا الالزام من تخفيض نسبة القيادة الفاشلة للحياة الزوجية ،
ولا أدعي بأن النسبة ستكون عالية لأنه يبقى بعد ذلك العمل وتطبيق هذه القواعد ،
نأمل أن نكون بذلك قد خفّضنا من المآسي الاسرية التي أقلها الطلاق .
التسميات :
مقالات