الانتاج السينمائي
في هذا المقال سأتحدث عن تجربة أعتقد أنها قد تجاوزت التقليد وجاءت من
خارج الصندوق المألوف ، فلاقت ترحيبا وتركت تأثيرا كبيرا يصب في هدف خدمة
قضية الاسرى على صعيد ثقافة المجتمع ، وايصال الرسالة التوعوية المطلوبة مع
تفاعل وجداني قوي وعميق يبقى شاخصا حيّا يسري في روع كل من تابع هذا الفعل
.
وقد استغرق الاعداد تقريبا سنة كاملة من يوم الاسير السابق الى هذا اليوم لأن الهدف كان تقديم شيئا مميزا ، كان
تعبا كثيرا وكانت التكلفة عالية ولكن النتيجة مؤثرة وذات ديمومة باقية لما
بعد يوم الاسير ، لتحفر عميقا في وجدان شعبنا ولتنقل الرسالة الى خارج
فلسطين بطريقة مقبولة ومحببة للناس .
قام بالعمل مركز بيت المقدس للادب بفريقه الذي قرّر أن يعمل بخطين :
خط انتاج افلام ومتابعة تجربة رسالة الفيلم الذي انتجه منذ ثلاث سنوات "
ستائر العتمة " ، فقرر انتاج ثلاثة أفلام في صلب قضية الاسرى حيث الزنازين
وصراع الارادات وتجلياتها : تهزم أحيانا وتنتصرأحيانا أخرى ويرى المشاهد
المعادلة التي بها ينتصر والمعادلة التي تقوده الى الهزيمة ، ويرى بأمّ
عينه مكرهم وخبثهم وكيف يتصرف الثعلب الساكن في أعماقهم .
اختار
المخرج بشار النجار ثلاث قصص من رواية " وهكذا أصبح جاسوسا " : قصة ابو
النور حيث تتحرك العمالة المصنوعة على أيديهم من خلال رجال باعوا أنفسهم
للمحتل وشكلوا فريقا يتقن الدور المرسوم ويجيد التمثيل ورمي الشباك باحتراف
عال على ضحيتهم ، فنون متجددة يطورونها فجاءت هذه القصة لتلتقط المشهد من
عمق التجربة ومن أبعد نقطة في عقل ثعلبهم ، يرى المشاهد على شاشة العرض
كائنات تتحرك وفق برمجة لعينة ليس لها هدف الا جعل الفلسطيني المعتقل صيدا
ثمينا لهم .
واختار قصة ثانية : " الصفقة " حيث تسير فنونهم الخبيثة
الى رسم خطة جهنمية تودي بانسان حر شريف ضحى كثيرا حيث بلغ مجموع سنوات
سجنه عشرين سنة ، جاءوه في لحظة حاسمة في تاريخه الطويل حيث تراوده هواجس
استراحة المجاهد ، يوافق على الصفقة بشرط ان ينسحب وقت ما يريد ، ولكنهم
شيئا فشيئا يغرقونه ويحكمون عليه شباكهم ، يجد نفسه أمام خيار صعب ،
الاستمرار صعب والانسحاب بعد أن ذاق متعة الخروج من المعتقل والسفر وبعض
الامتيازات ، وليكتشف بأنه قد وقع بين فكي كماشة : وهم التحرر والابتعاد عن
ملاحقة السجان وضمير يعذبه ويلاحقه ويفرض عليه همّا لا حدود له .
أما القصة الثالثة : " وقعت عن الحمار " فهي مثال الصمود والتحدي ثم
الانتصار والامر لا يحتاج الى عبقرية وانما الثبات على كلمة واحدة : وقعت
عن الحمار .
بهذه الافلام الثلاثة كان الجمهور واسعا في اكبر مسرح في
البلد مسرح الهلال الاحمر وهذا يثبت أن نبض شعبنا ما زال عاليا ، مع أسراه
قلبا وقالبا ولكنه أيضا مع الانشطة التي يُعمل عليها جيدا وتقدم له ما هو
جديد ، لقد ملّ الارتجال وأنشطة اسقاط الواجب ، علينا أن نعرف شعبنا جيدا ،
نحترمه بما نقدم له فيحترمنا ويتقاطر على مثل هذه الانشطة ونصل به الى
المطلوب بأحسن السبل وأحبها الى قلبه .
وكان الخط الثاني دون أية
تكلفة ، بجهد مدرسي ذاتي يقوم بالنشاط ويكون مميزا ، قمنا يتوزيع نص مسرحي
قصير على المدارس لتقوم بتمثيلها يوم الاسير من خلال المواهب الموجودة ثم
عرضها على بقية الطلاب ، قمنا بذلك عدة سنوات وكانت الثمار رائعة ، الكلمة
تمضي سريعا بينما العمل المسرحي يبقى في الاذهان والقلوب طويلا .
ولا بد من أن نذكر أن هذا قد تم من خلال التعاون مع وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وهيئة شئون الاسرى والمحررين .
التسميات :
مقالات